نشرت وكالة أنباء فارس الإيرانية، الإثنين الماضي، مقابلة مع البرلماني السوري مهند الحاج علي الذي قُدّم أيضاً بوصفه «قائد لواء البعث في حلب». قال أن معركة الباب «مفصلية» للأتراك، لأن هزيمتهم فيها «ستُسقط أحلامهم بإنشاء جيش يحشرون فيه مرتزقتهم في الشمال السوري». وبعدما تحدث عن «تقدم سريع» يحرزه الجيش النظامي باتجاه الباب، قال: «خلال أيام ستُعلن مدينة الباب مطهّرة وعائدة إلى حضن الجمهورية العربية السورية».
لم يمر سوى أيام حتى أُعلنت الباب «مطهّرة» بالفعل، لم يقم بذلك الجيش السوري، بل الأتراك وفصائل المعارضة المنضوية في عملية «درع الفرات». كان عناصر هذه الفصائل تحديداً هم، على الأرجح، من قصدهم النائب السوري بحديثه عن «مرتزقة» تعمل أنقرة على إنشاء «جيش» منهم في شمال سورية.
إذاً، انجلت معركة الباب على انتصار تركي، وإن كان مُكلفاً. وبدل أن تعود المدينة «إلى حضن الوطن»، وفق تأكيد النائب البعثي، فإنها تتجه، كما يبدو، لتكون كبرى المدن الخاضعة حصراً لسيطرة «الجيش الحر»، والذي سيكون أمام تحدٍّ لم يواجه مثله من قبل. فقد كانت إحدى أبرز مشكلات المعارضة السورية، في السنوات الماضية، أنها بدت «معارضة منفى». كانت تتحدث عن تغيير النظام، لكنها لم تُقدّم مثالاً على الأرض يوضح رؤيتها لكيفية إدارة «سورية الجديدة». وكان هذا الفشل نتيجة عجز من يمثّل المعارضة في الخارج عن الاستقرار في أراضي سيطرة المعارضين أنفسهم داخل سورية. وفي الواقع، لم يكن هذا العجز مرتبطاً فقط بخوف المعارضين في المنفى من قصف النظام، بل أيضاً بوجود تيارات متشددة داخل المعارضة تمكنت، بقوة السلاح، من فرض رأيها على «الجيش الحر» في أرياف إدلب وحماة وحلب على وجه الخصوص.
والآن، يبدو واضحاً أن طرد «داعش» من الباب يمنح الأتراك و «الجيش الحر» فرصة كي يقدموا «نموذجاً» لكيفية إدارة «المعارضة المعتدلة» منطقة بحجم ريف حلب الشمالي بأكمله تقريباً. وستكون هذه المنطقة خالية ليس فقط من تهديد «داعش» والمتشددين من ضمن المعارضة، بل أيضاً من أي تهديد يمكن أن يمثّله النظام السوري – الذي يبدو أنه توقف فعلاً عن استهداف هذه المنطقة بعدما باتت بمثابة منطقة آمنة غير معلنة لكنها فعلية وخاضعة لإشراف تركي مباشر.
لكن تقديم هذا «النموذج» لإدارة المناطق «المحررة» سيرتبط إلى حد كبير بالخطوة المقبلة للأتراك بعد تحرير الباب. فقد كررت أنقرة مراراً أن قواتها ستتوجه بعد الباب إلى منبج كي تطرد منها «قوات سورية الديموقراطية» التي يشكل الأكراد عمادها. لكن خطوة كهذه يمكن أن تنعكس على علاقة تركيا بالجيش الأميركي، حليف الأكراد في معاركهم ضد «داعش»، لا سيما الجارية حالياً في الضفة الشرقية لنهر الفرات والهادفة إلى «عزل الرقة». يقول الأكراد أنهم انسحبوا من منبج وسلموها إلى فصائل عربية في «قوات سورية الديموقراطية»، لكن سماح الأميركيين للأتراك بانتزاعها منهم يُهدد بانهيار ثقة الأكراد كلياً بالأميركيين، وسينعكس ربما على مستقبل عملية «غضب الفرات» في الرقة.
وأمام الأتراك أيضاً خيار آخر هو التوجه من الباب جنوباً في اتجاه ضفاف الفرات، ومنها نحو مدينة الطبقة وصولاً إلى الرقة، وذلك لمنع الأكراد من السيطرة على هذه المدينة العربية. لكن مثل هذا السيناريو يتوقف إلى حد كبير على الخطوة المقبلة للجيش النظامي السوري المشغول منذ أيام في قضم قرى «داعش» في ريف حلب الشرقي، وتوضح خريطة هذا القضم أن السوريين يسعون إلى قطع الطريق أمام الأتراك للوصول إلى الطبقة والرقة. ويبدو واضحاً بالتالي أن إصرار الأتراك على التقدم من ريف الباب الجنوبي نحو الرقة يُهدد بمواجهة مباشرة مع قوات الحكومة السورية.
معركة الأتراك ضد الأكراد في منبج قد تتوقف على رد الأميركيين، سماحاً أو رفضاً، فيما معركتهم مع الجيش السوري وحلفائه جنوب الباب تتوقف أيضاً على رد الروس، حلفاء حكومة دمشق وداعمي جيشها. وسيكون بالتالي على الأتراك الاختيار بين إكمال معاركهم ضد الأكراد والنظام السوري وبين مساعدة «المرتزقة» (وفق وصف البرلماني السوري) على إنشاء «جيش» يدير شمال البلاد ويكون نموذجاً لشكل سورية المستقبل… كما تتخيلها المعارضة المعتدلة.
المصدر : الحياة