بالسيطرة على مدينة الباب يكون الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قد تقدم خطوة أخرى من مدينة الرقة وابتعد في الوقت عينه عن المحور الروسي – الايراني.
وتبدت ملامح الافتراق التركي عن موسكو وطهران منذ ان لوح الرئيس الاميركي دونالد ترامب بـ”المناطق الآمنة” في سوريا. قبلها كان اردوغان الساخط على إدارة باراك أوباما السابقة لعدم استجابتها نداءاته المتكررة لإقامة “المناطق الآمنة” التي تعتبرها أنقرة نطاقاً جغرافياً يحمي المعارضة السورية أكثر منها عملاً إنسانياً صرفاً لمساعدة اللاجئين وتأمين عودتهم إلى داخل سوريا.
ولا حاجة الى التذكير بأن تودد إدارة أوباما الى أكراد سوريا واعتمادها إيّاهم رأس حربة في السياسة الاميركية، زاد نفور اردوغان من واشنطن. وأتت المحاولة الإنقلابية الصيف الماضي وعدم استجابة الولايات المتحدة مع طلب الرئيس التركي تسليم الداعية الاسلامي فتح الله غولن المقيم في بنسلفانيا والذي تتهمه السلطات التركية بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية، لتزيد شقة الخلاف التركي – الاميركي اتساعاً.
وفي هذه اللحظة من التوتر السياسي غير المسبوق بين أنقرة وواشنطن، رأى أردوغان أن ينضم ولو متردداً الى الجهود الروسية والايرانية لترتيب وقف نار في سوريا يفتح الطريق نحو حل سياسي. ولوهلة بدا أنه يمهد لتحول نوعي في موقفه من دمشق.
لكن هذه التوقعات لم تكن في محلها. وإذا بأردوغان الذي كان مهدداً بانقلاب الصيف، ينفذ انقلابه الخاص الذي ضمن له حكماً استبدادياً مقنعاً بنظام رئاسي تنقصه موافقة شكلية في الاستفتاء المقرر اجراؤه في نيسان. وهذا النظام الجديد يؤمن لاردوغان البقاء في الحكم حتى سنة 2029. وفي سوريا، ينقلب الميدان عبر عملية “درع الفرات” لمصلحة أنقرة و”منطقتها الآمنة” التي لم يعد ينقصها سوى اعلان واشنطن منطقة حظر للطيران فوقها، فيما يعتبر المشروع الكردي في سوريا أولى ضحايا التدخل العسكري التركي والتواطؤ الاميركي اللاحق.
عند هذه الحدود أحبط أردوغان الاجتماع الثاني في أستانا وأومأ الى المعارضة السورية بأن ترفع سقف مطالبها في جنيف. ولم يكد الرئيس التركي يعود من زيارتيه للسعودية وقطر حتى علت اللهجة التركية حيال ايران وكيل الاتهامات لها بأنها تغذي الطائفية في المنطقة من خلال دورها في سوريا. كل هذا يدل اذا ما دل على شيء على أن شهر العسل التركي – الروسي – الايراني لم يكن سوى مرحلة موقتة أراد أردوغان من خلالها تحصين مواقعه في الداخل وفي الاقليم، ريثما يتمكن من معاودة مشروعه الأصلي في سوريا. لكن هذا لا يعني أن النجاح سيكون حليفه.
أرادت روسيا أن تكون أستانا رمزاً يكرس سياسياً المكاسب العسكرية لروسيا في سوريا طوال سنة ونصف سنة تقريباً، ولكن تبين أن أردوغان لا يزال بعقله وروحه في الأستانة رمز الامبراطورية العثمانية.
المصدر : النهار