مقالات

عديد نصار – من خان شيخون إلى مطار الشعيرات

أثارت جريمة خان شيخون الكثير من الأسئلة حول هدف النظام الأسدي من ارتكابها في ذلك الوقت تحديدا، في حين تستعيد قواته مواقع كثيرة خسرتها في الأسابيع الماضية من جهة، وبعد تصريحات أميركية تجعل من إبعاد بشار الأسد عن السلطة خارج أولويات الإدارة الأميركية.

لقد ارتكب الأسد جريمته المروعة في خان شيخون مستخدما غاز السارين القاتل. ولكن من هي الجهة التي اتخذت القرار وما الهدف من ورائه؟ وهذا شأن آخر.

أميركيا، فعلها الرئيس دونالد ترامب مقرنا القول بالعمل ومنفذا وعيده ضد نظام الأسد، ولكن اللياقة لم تفته. فأبلغ زميله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالضربة وبالمكان المستهدف، فأخليَ من الجنود الروس وغير الروس ومن الطائرات التي توزع الموت على أطفال سوريا.

تم تدمير مطار الشعيرات الذي انطلقت منه الهجمات الكيميائية على خان شيخون. لا يمكن لمن يتلقى الموت اليومي عبر هذا المطار وعبر سواه إلا أن يهلل لتتوقف تلك الطائرات عن توزيع الموت ولو ليوم واحد أو لساعات معدودات، فهل تتقاطع مصالح الشعوب وبالأخص ثوراتها مع المشاريع الإمبريالية للهيمنة؟

بالتأكيد هذا محال وقد أثبتت الثورة السورية استحالة أي تقاطع ولو كان ظرفيا بين ثورة لا يمكن إلا أن تكون ضد الهيمنة الإمبريالية مهما كانت هويتها، وبين تلك الإمبرياليات. وعليه، ينبغي ألا تزدهر الأوهام من جديد حول تدخل أميركي ينقذ الشعب السوري ويسقط النظام الدموي لبشار الأسد. هذه الضربة ليست مقدمة لإسقاط نظام الأسد.

أما بخصوص “المعارضة السعيدة” بهذه الضربات، فعليها أن تعرف أن ما نفذه ترامب لم يكن ليهدف إلى تغيير المعادلات على الساحة السورية بما يجعل النظام أقرب إلى التداعي والسقوط أو يتيح لها وللمعارضة المسلحة أن تستعيدا زمام المبادرة على الأرض، بقدر ما كان يهدف إلى استعادة دور الولايات المتحدة وتضخيمه في سوريا وفي المنطقة وأكثر من ذلك، استعادة هيبة ترامب نفسه وطاقمه السياسي وإدارته في النظام الأميركي نفسه بعد أن تعرض لكل تلك الخيبات على مدى الأشهر الثلاثة الأولى من ولايته من خلال إظهار ذلك الفارق بينه وبين سياسات سلفه باراك أوباما التي اتسمت بالتهاون حيال مجزرة الكيميائي الأولى في الغوطة الدمشقية قبل سنوات. وهنا يظهر الفارق الكبير بين ما يريده دونالد ترامب وبين ما يتوهمه بعض المعارضين السوريين.

من جهة أخرى، ليست المطارات الحربية السورية وكذلك الطائرات الحربية إلا مال الشعب السـوري الذي دفع أثمـانها من دمه وعرقه. ولكن، بين أن تُستخدم تلك الطائرات والمطارات لقتل أبناء هذا الشعب وتدمير مدنه وقـراه، وبين أن يطـالها التدمير سيقترع السوريون لمصلحة الخيار الأخير بغض النظر عن الجهة التي تنجز هذه المهمة.

وبين التهليل للضربات الصاروخية الأميركية على مطارات الأسد الحربية وبين التنديد والاستنكار من منطلق “وطني” وقومي باعتبار ذلك عدوانا على بلد ذي سيادة، ينبغي إبداء الملاحظات التالية:

المندّدون يتذرعون بخرق السيادة الوطنية ويعتبرون ذلك عدوانا سافرا يتناقض مع القوانين والأعراف الدولية. حسنا. هؤلاء “السياديون” لم يلحظوا أن القوات الأميركية تتواجد في عدة قواعد عسكرية داخل الأراضي السورية منذ تخليص عين العرب من تنظيم داعش على أيدي قوات كردية مدعومة بقوة من الأميركيين. وهم أنفسهم لم يلحظوا استمرار دعم الأميركيين لوحدات حماية الشعب (التي يهللون لها) وقوات سوريا الديمقراطية بالمال والعتاد والتدريب والتوجيه سواء في مواجهة داعش أو في مواجهة درع الفرات. ولم يلحظوا العلم الأميركي الذي رفعه بضع عشرات من الجنود الأميركيين في منبج لإيقاف التمدد التركي هناك.

طبعا هؤلاء غير معنيين بملاحظة الاحتلاليْن الإيراني والروسي، ولا بالتواجد الكاسح لميليشيات فاطميون (أفغانستان) وزينبيون (باكستان) والنجباء وعصائب أهل الحق وأبوالفضل العباس (العراق) وحزب الله اللبناني، باعتبار أنها جاءت إلى سوريا بدعوة من “الحكومة الشرعية” التابعة للنظام الأسدي، وبالتالي لا تمثل خرقا للسيادة الوطنية مهما كان حجم الجرائم التي ترتكبها.

الأميركيون قصفوا قاعدة جوية في سوريا، لكنها قاعدة جوية لم تستخدم إلا في ذبح الشعب السوري. وهذا ما أثار سخط المنددين. هؤلاء المنددون الحريصون على السيادة لم يلحظوا أن طيران التحالف، والأميـركي تحديدا، قـد ارتكب في نفـس اليـوم مجزرة بحق مـواطنين سوريـين مدنيين أبرياء في قـرية متواضعة شـرقي الرقة. هذا لا يعنيهم، طالما لا يمس نظام الأسد وقواته.

أما المهللون فيمثلون الامتداد الطبيعي لأولئك الذين ومنذ الأيام الأولى للثورة، ما برحوا يعولون على التدخل الخارجي لإسقاط الأسد ليشكلوا البديل السلطوي التابع. وقد استمروا في بيع الأوهام للسوريين على مدى السنوات الست وبلا هوادة، وبعضهم راهن حتى على الروس، تارة لإبعاد الإيرانيين وطورا لاستبعاد الأسد وأطوارا أخرى لإشراكهم في سلطة ما حتى لو استمر بشار الأسد في منصبه. وها هم اليوم يراهنون على أوهام التدخل الأميركي لإسقاط الأسد.

من يظن أن طائرات الأسد الحربية يمكن أن تتحرك في سماء سوريا دون إشارة من القوات الروسية فهو مخطئ. أما أطفال خان شيخون فقد ذهبوا ضحية العجرفة البوتينية التي أرادت استدراج دونالد ترامب ليكشـف عن حقيقة موقفه بعد تصريح مندوبة الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن الذي قالت فيه إن إبعاد بشار الأسد لم يعد من أولويات الولايات المتحدة، ويبدو أن الروس قد حصلوا على الجواب. ترامب ليس أوباما بل يساوي أوباما زائد ضربة صاروخية.

المصدر : العرب 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى