مقالات

غالية شاهين – لعب أميركي علني في سورية

كثيرا ما اتُّهم من يحلل الأحداث على الأرض السورية بربطها باتفاقاتٍ دوليةٍ مسبقة، أو تنسيق بين القوى الكبرى الفاعلة في هذا الملف، بأنه حبيس “نظرية المؤامرة”. وبأنه، بالتالي، بعيد عن الواقع أو العوامل الداخلية، بما فيها مخططات نظام الأسد وقدراته المحرّكة للأحداث. لكن ما تثبته الأيام مجزرةً بعد أخرى، ومعركة سياسية بعد أخرى، أن ما يجري لا يمكن له أن يكون من دون اتفاقات حقيقية مدروسة، وأن كل ردود الفعل التي وصلت إلى درجة التدخل العسكري الأميركي في الأيام القليلة الماضية ما هي إلا خطوات مقرّرة ومرسومة بعناية لتحقيق التقاطع المطلوب بين مصالح الدول الفاعلة، والسير باتجاه هدف محدّد، لا يغيّره تصاعد الخطوط البيانية أو هبوطها، للشدّ والرخي بين كل الأطراف.

وكالعادة، ولأن السوريين بشكل عام “محكومون بالأمل” الذي تسرّب من بين أصابعهم، وتبعثر في الهواء، تفاءل كثيرون بالضربة الأميركية المفاجئة، والتي جاءت بعد أن اعتراهم يأس تام من أي تدخل خارجي، سبق لهم أن طلبوه في مراحل سابقة من الثورة، لكن هذا الأمل الوهمي ما لبث أن بدأ بالتراجع خلال الساعات التي تلت الضربة، ليتلاشى تقريباً خلال ما تلاها من أيام، وليعود السوريون إلى حالة اليأس التي بدأت تصبح مضاعفةً ومشوبة بالتوقعات الأسوأ.

لم تكن مجزرة خان شيخون الأولى من نوعها خلال السنوات الماضية، فقد سبقها استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيميائية والمحرمة دولياً في مناطق عدّة، لكنها ربما كانت الأكثر وقاحةً، باعتبارها جاءت بعد إعلان النظام السوري تسليم كل ترسانته من الأسلحة الكيميائية، كما كانت الصور والفيديوهات المنتشرة بعدها واضحةً وصارخةً وغير محتملة، لكن الأهم من هذا كله أنها جاءت في ظروفٍ دوليةٍ معقدة، خصوصا في ما يتعلق بوجود الإدارة الأميركية الجديدة التي تسعى إلى أن تثبت اختلافها عن سابقتها، كما يسعى رئيسها، دونالد ترامب، إلى تثبيت قدميه، عن طريق إعادة “هيبة” أميركا ودورها الرئيسي في العالم، من خلال إثبات عنجهيتها واستهتارها بكل المحافل الدولية، وقدرتها على التصرّف منفردة.

وكما هو واضح حتى اللحظة، لم تهدف الضربة الأميركية المحدودة إطلاقاً لإزالة بشار الأسد ونظامه، بل إنها لم تتعدّ كونها رسالة سياسية لروسيا ودميتها في سورية، لإجبارهما على العودة إلى الحظيرة. وهو تماماً ما حملته الرسائل السياسية التي تبعت الضربة العسكرية اليتيمة، والتي جاء بعضها على شكل تصريحاتٍ تهديديةٍ واضحة، على لسان مندوبة أميركا في الأمم المتحدة، أو الناطقين المختلفين باسم إدارة ترامب.

لمّحت تلك التصريحات لروسيا بعصي مختلفة، كان أهمها ملفات التورّط بجرائم ضد الإنسانية في سورية، ولم يكن التلميح إلى الدور الروسي في تصنيع السارين وتعبئته في مطار الشعيرات إلا واحدا من هذه العصي.

في المقابل، علا في اليومين التاليين للهجوم الكيميائي، والسابقين للضربة الأميركية، الصوت الإسرائيلي الذي تجاوز، هذه المرة، أرقامه القياسية، ما يمكن اعتباره مؤشراً آخر لما قد تحمله المرحلة المقبلة، والذي قد يصل إلى ظهور إسرائيل لاعباً معلناً مهّد له الدخول العلني لأميركا، وهو ما سيكون، إن حدث، الشعرة القاصمة للمعارضة السورية، والخطوة التالية بعد التدخل الأميركي التي ستحول الأسد إلى بطل قومي، يحارب القوى الإمبريالية العالمية التي تخافه، وتسعى إلى النيْل منه.

الملفت للنظر أن نظام الأسد لم يحتج إلا ساعات بعد الضربة الأميركية، حتى يعاود نشاطه اليومي المعتاد في قصف المدن والبلدات السورية، برفقة حلفائه الروس ومليشياته متعدّدة الجنسيات، بل واستخدموا في اليوم التالي الكلور والنابالم المحرّم دولياً، إضافة إلى غارات مركزة وكثيفة بالبراميل والقنابل.
هي مجرد مجزرة أخرى إذا، استدعت صفعة تأديبية خفيفة، لن توقف الموت المجاني المعلن للسوريين، ولن تغيّر من المعادلة شيئاَ سوى إعلان لاعبٍ آخر انضمامه الصريح لفريق اللاعبين على الأرض السورية، بعدما كان يدير الحلبة من بعيد.

المصدر : العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى