مقالات

رياض معسعس – روسيا والسلاح الكيماوي

رغم أن مذبحة خان شيخون الكيماوية من قبل نظام بشار الأسد، كان ضحاياها من الأطفال الأبرياء أقل عددا من ضحايا مذبحة مشابهة وقعت في الغوطة الشرقية عام 2013.

ورغم نفي النظام مسؤوليته عن الجريمتين واتهام الفصائل المسلحة بها، إلا أنهما أقاما الدنيا ولم يقعداها، خاصة في العالم الغربي الذي انتبه فجأة، ومتأخرا، إلى ما يجري في سورية، صور لأطفال وهم يموتون اختناقا بغاز السارين انتشرت على الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي، وهزت الغرب باعتباره مدافعا عن حقوق الإنسان، وضامنا عدم استخدام اسلحة الدمار الشامل، خاصة أنها كانت ذريعته الأولى في تدمير العراق وإسقاط نظام صدام حسين البعثي، الذي استخدم سلاحا كيماويا في حلبجة ضد الاكراد.

واتهم بأنه يحتفظ بمخزون كبير منه، وأرسلت الأمم المتحدة حينها عدة فرق تفتيش نقبوا عن الأسلحة الكيماوية حتى في القصور الرئاسية، فلماذا يستثنى اليوم النظام البعثي في سورية، بعد هذه الجرائم الشنعاء؟ ولماذا لم ترسل فرق التفتيش الأممية للتنقيب عن هذه الأسلحة حتى في قصر قاسيون، حيث يقبع الوريث الهمجي، وأقبية مخابراته السرية؟

الفارق هنا أن الاتحاد السوفييتي الذي انهار كقصر من ورق، والذي كان حليف العراق آنذاك، تزامن انهياره مع الأزمة العراقية، ولم يكن بمقدوره، ولا مقدور روسيا الخارجة من الحطام بجيش مهلهل، واقتصاد مدمر، ورئيس ضعيف وكحولي أن تقف إلى جانب حليفها، فتركته وحيدا يواجه مصيره المحتوم، لكن الوضع في سورية اختلف جذريا بعد أن أعطى بشار الأسد روسيا ما لم تأخذه من أي حليف آخر من قواعد عسكرية وبحرية، وامتلاك زمام الأمور في البلد ككل. لقد سلم الأسد كل أوراقه لحاميه فلاديمير بوتين، بعد أن أنقذه من ورطة الضربة الكيماوية الأولى، وتفادى ضربة أوباما الخلبية الذي اعتبر ان استخدام هذه الأسلحة خطا أحمر لا يمكن تجاوزه بتسليم ترسانته الكيماوية.

وفي واقع الأمر إذا ما بحثنا علاقة روسيا تاريخيا بالسلاح الكيماوي نكتشف أنها لم تكن أفضل حالا من حليفها النظام الكيماوي في سورية، فتاريخيا استخدم هذا السلاح لأول مرة في الحرب العالمية الأولى من قبل ألمانيا عام 1915، وكان استخدامه الأول ضد روسيا القيصرية، إذ استهدفها الجيش الألماني بضربتين كميائيتين راح ضحيتهما أكثر من عشرة آلاف جندي، واكتشف العالم فجأة السلاح الغازي القاتل، غاز الخردل الذي وصف بسلاح دمار شامل، ولم يكتف الألمان بهاتين الضربتين فألحقاهما بثالثة كانت أكثر دمارا وفتكا، فراح ضحيتها أكثر من خمسين ألف قتيل.

ولم تضع الحرب العالمية الأولى أوزارها بعد حتى سقط حكم القيصر نيكولا الثاني عام 1917 تحت ضربات حزب البلاشفة، الذي كان ينادي بنصرة الفلاحين والعمال.

وتم تشكيل الجيش الأحمر، ومصادرة الأراضي الزراعية التي باتت ملكا للدولة الشيوعية الفتية. لكن في عام 1921 انطلقت ثورة مضادة في مدينة خيزوف، حيث تم تشكيل جيش من الفلاحين أطلق عليه الجيش الأزرق (كتسمية تواجه الجيش الأحمر) وفي مؤتمر عقد في مدينة تامبوف تم إلغاء سلطة موسكو، وإعادة ملكية الأراضي للفلاحين، وانطلق الجيش بقيادة الكسندر أنتونوف لإسقاط لينين في موسكو. فما أشبه اليوم بالبارحة، إذ قام القائد العسكري في الجيش الأحمر ميخائيل توخاتشيفسكي بإعطاء الأوامر في 21 يوليو 1921، بعد ان باتت ثورة الفلاحين تتفشى في جميع أنحاء روسيا، باستخدام السلاح الكيماوي لمحق الثورة في مهدها، بعد أن تم وصف رجال الثورة بـ»رجال العصابات» (كما تستخدم اليوم عبارة ارهابيين للثوار السوريين لتبرير ضربهم) وخلال خمسة أشهر من المعارك الضارية واستخدام الاسلحة الكيماوية قتل ما لا يقل عن ربع مليون فلاح (هذه الثورة البلشفية التي جاءت نصرة للفلاحين) واعتقال اكثر من خمسين ألفا بمن فيهم النساء والأطفال، وتصفية قائد الثورة ألكسندر أنتونوف.

قبيل الحرب العالمية الثانية اخترع الألمان مرة أخرى غازا أكثر خطورة وهو غاز السارين، وقام الروس بتطويره ايضا واخترعوا غاز السومان و «في اكس»، وغاز شلل الأعصاب الذي تم استخدامه في اكتوبر 2002 في مسرح دوبروفكا في موسكو وبأمر من قبل الرئيس ( يا للصدف ) فلاديمير بوتين نفسه، بعد أن احتجز فريق شيشاني عدة مئات من المتفرجين رهائن، فقتل الفريق بأكمله وقتل معه 130 روسيا كانوا متواجدين في المسرح من أصل 800 شخص. وقد تمت ادانة روسيا من قبل المحكمة الاوروبية لحقوق الإنسان.

اليوم يدافع بوتين الذي استخدم سلاحا كيماويا، عن حليف كيماوي آخر بحجج تلفيقية واهية، لكن سبقه ترامب في ضربته لمطار الشعار الذي انطلقت منه الطائرات لضرب خان شيخون، وظهرت صور التقطت للمكان ان هناك حاويات اسلحة كيماوية روسية.

المصدر : القدس العربي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى