مقالات

سلام السعدي – إيران وأميركا: السباق نحو البادية السورية

تتسارع الأحداث في منطقة جنوب شرق سوريا (البادية السورية) التي تشهد سباقاً محموماً بين إيران وميليشياتها من جهة، والولايات المتحدة وفصائل المعارضة التي تحظى بدعمها من جهة أخرى، وذلك لإحكام السيطرة على الخطوط الرئيسية لتلك المنطقة وعلى الحدود مع كل من العراق والأردن.

ترتبط هذه المعركة بهدف تعمل طهران على تحقيقه منذ عامين وهو إنشاء طريق بري يصلها بكل من سوريا ولبنان، وبالتالي يؤمن لها الوصول إلى البحر المتوسط. احتاج تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي إلى بناء الميليشيات الشيعية في كل من العراق وسوريا خلال الأعوام الماضية. قبل نحو عامين، كانت تلك الميليشيات ذات قوة متوسطة ومشابهة بشكل كبير لقوة مختلف التشكيلات العسكرية النظامية الحليفة لها سواء في سوريا أو في العراق. ولكن التطورات خلال العامين الماضيين دفعت بها لتصبح أكبر قوة عسكرية في كل من البلدين.

استفادت إيران من انهيار الجيش العراقي وتفتت أجهزة الأمن في البلاد مع انطلاق المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2014 واحتدامها في العام 2015. فدعمت إنشاء الحشد الشعبي بعد فتوى “الجهاد الكفائي” التي أصدرها المرجع الشيعي علي السيستاني لتعبئة كل من يستطيع حمل السلاح من أجل قتال تنظيم الدولة الإسلامية. وفي العام الماضي نجحت مخططات إيران في تحويل الحشد الشعبي ليكون صاحب النفوذ العسكري المهيمن على العراق وخصوصا مع إصدار البرلمان العراقي قانوناً يعتبر قوات الحشد الشعبي كياناً قانونياً، والأهم أن “له الحق في الحفاظ على هويته وخصوصيته”. ورغم أن الانقسامات والخلافات لا تزال تسيطر على الحشد الشعبي وهو بعيد عن القيادة الموحدة، ولكنه بالمجمل أداة طيّعة في يد إيران وإحدى أهم أدوات مشاريعها المستقبلية في العراق وسوريا.

في نفس الوقت، تصاعدت قوة وتأثير الميليشيات الشيعية في سوريا. ورغم أن حزب الله لا يزال نواة تلك الميليشيات، لكنها توسعت إذ نجحت إيران في تجنيد الشيعة من أنحاء مختلفة من الشرق الأوسط كما أرسلت مقاتلين من إيران. وباتت أعداد تلك الميليشيات، بالإضافة إلى اللجان الشعبية التي تسيطر عليها إيران، تفوق بأضعاف أعداد القوات السورية النظامية.

تعمل إيران منذ أشهر على استعادة الحدود العراقية السورية، إذ فقد النظام السوري المعابر البرية مع العراق منذ العام 2015. ومن وراء ذلك، تهدف إيران إلى فتح طريق برية تصلها بسوريا ولبنان. ومع دفعها باتجاه اتفاق وقف العمليات القتالية بالتعاون مع روسيا وتركيا، سرعت طهران من مخططها ذاك وركزت عمليات الميليشيات التابعة لها في البلدين باتجاه هذا الهدف. هكذا استطاعت ميليشيات الحشد الشعبي الوصول إلى الحدود السورية من العراق قبل أسبوعين. كما أجرى حزب الله إعادة انتشار تخدم هذا الهدف وخصوصا بعد تحرره من ثقل معركة حلب التي انتهت بالسيطرة على المدينة وتحرير أعداد كبيرة من قواته ليعيد نشرها في جنوب شرق سوريا.

الهدف هو السيطرة على الحدود العراقية السورية عبر استعادة مدينة البوكمال من جهة، وعلى الحدود الأردنية السورية عبر استعادة المنشية من جهة أخرى. واحتدمت المعارك على الحدود السورية الأردنية منذ نحو أسبوعين مع قصف سوري روسي غير مسبوق. كما زج حزب الله بأعداد كبيرة من قواته وبصورة تظهر استعداده لتكبد خسائر فادحة مقابل تحقيق تقدم ميداني، وهي تقنية يتبعها الحزب في ظروف استثنائية وفي مواقع يعتبر السيطرة عليها حاسمة في تحقيق مشروعه. فعل ذلك سابقاً في مدينة القصير السورية وفي حلب. ومع الحديث عن مفاوضات سرية أردنية- أميركية- روسية لرسم حدود وقف إطلاق النار في محافظة درعا، دفع ذلك حزب الله والنظام السوري إلى تكثيف العلميات العسكرية استباقا لأي اتفاق.

على الطرف الأخر فإن عملية السيطرة على الحدود العراقية السورية تمر عبر استعادة السيطرة على مدينة البوكمال من جهة، وتأمينها بالسيطرة على مدينة دير الزور من جهة أخرى. وهنا، تواجه إيران مشكلةُ تواجد القوات الأميركية في قاعدة التنف العسكرية مع قوات المعارضة السورية. ظهرت تلك المشكلة خلال الأسبوعين الماضيين حيث وجهت الطائرات الأميركية ضربتين جويتين لقوات شيعية كانت تتقدم باتجاه قاعدة التنف.

وفي حين كانت أميركا تحضر قوات المعارضة للهجوم شمالا انطلاقا من قاعدة التنف على مدينة البوكمال، استطاعت الميليشيات الشيعية والنظام السوري قطع طريقها عبر التفاف أجرياه الأسبوع الماضي. كما عززت إيران من وجود الميليشيات الشيعية، وعلى رأسها حزب الله، في مدينة تدمر للمشاركة في السباق على البوكمال، وقطع الطريق على أميركا وقوات المعارضة. ذلك أن نجاح الأخيرة باستعادة البوكمال سوف يجعل سيطرتها على دير الزور مسألة وقت. وعندها سينتقل النفوذ الأميركي في سوريا إلى مرحلة جديدة تشكل تهديدا لا لمشروع إيران بإيجاد جسر بري فحسب، بل لمشروعها باستعادة السيطرة على كامل سوريا، أو على “سوريا المفيدة”.

المصدر : العرب 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى