في مقابلة مطولة مع مطبوعة عربية، أطلق السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد لخياله العنان في عملية إعادة تصوير المشهد السياسي السوري ودوره فيه، بحيث يحقق هدفين رئيسين: رسم صورة إيجابية لدوره، وتصفية حساب مع الإدارة الأميركية السابقة.
لم تكن محاولة رسم صورة إيجابية لدوره بالعملية السهلة لأن في الملف صفحات تقود إلى نتيجة أخرى، مختلفة، إن لم تكن مناقضة، لما حاول السفير ترويجه. ثلاث قضايا رئيسة، بعضها تجاهل هو الاقتراب منها وقفز الصحافي عنها، تناولها يمكن أن يعيد التوازن إلى الصورة التي رسمت ويسمح بإطلاق أحكام مختلفة على موقف السفير والإدارة أكثر دقة وموضوعية، وبتحديد المسؤوليات على النتائج وتبعاتها. أولى تلك القضايا موقف السفير من الثورة كفعل شعبي هدفه تغيير الواقع السياسي القائم في سورية. فقد عكست حواراته، وتحركاته في دمشق، قبل إغلاق السفارة، وفي الخارج، أنه ليس مع الثورة، وأنه تحفظ عليها منذ البداية، وقد تجلى ذلك في سؤال تشكيكي وتحريضي طغى على أسئلته لمن التقاهم من المعارضين: الأخطار التي تنطوي عليها الثورة على الأقليات الدينية والمذهبية. بدأ بالسؤال حين كانت تظاهرات السوريين تصدح بشعار «واحد… واحد… واحد… الشعب السوري واحد».
وقد اعتبر في شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية لمجلس الشيوخ عام 2013 أن «عدم تقديم ضمانات للأقليات، العلويين بخاصة، سبب رئيس في فشل الثورة، كرر الموقف ذاته في مقالة له في جريدة النيويورك تايمز. وقد تصاعد تحفظه مع ظهور المنظمات والفصائل الإسلامية كاشفاً عن أعراض إسلاموفوبيا عميقة. وقوله في المقابلة: «في 2013، قلت للمعارضة السورية: يجب أن تكونوا منفتحين إزاء الأسد. إذا أقنعتم الأسد بتغيير رئيس المخابرات الجوية والعسكرية والأمن السياسي والاستخبارات العامة.
إذا تغير رئيس المصرف المركزي ووزير المال٬ ثم يعيَّن مستقلون بدلاً منهم من دون سيطرة الأسد يمكن قبول بقائه»، لا يعكس حقيقة موقفه من الثورة والتغيير فقط بل ويكشف مدى سطحية فهمه للنظام السوري. وأما ثاني تلك القضايا فموقفه من «المجلس الوطني السوري» حيث ناصبه العداء وحرض عليه ومارس ضغوطاً على أعضاء وتكتلات فيه محاولاً دفعها إلى الانسحاب منه، وقدم إلى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تقارير سلبية عن أدائه، قبل أن يكلف باحثاً في مركز بروكنز في الدوحة بوضع خطة وإصلاحه خلال أسبوعين أو حله وتشكيل بديل سياسي له، ما حصل عندما شكل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، المؤسف أن معارضين ممن تصدروا المجلس والائتلاف قد ساعدوه في ضرب «المجلس» وتشكيل «الائتلاف»، وهاهم الآن يدعون إلى إصلاح «الائتلاف» وعدم تشكيل بديل بذريعة أنه يحظى باعتراف دولي يجب أن لا نهدره متناسين أن «المجلس» كان يحظى بالاعتراف ذاته عندما طالبوا بتجاوزه.
وقد ختمها في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة عام 2016 بتقديم شهادة سلبية عن المعارضة المعتدلة، ناهيك بما قاله في محاضراته في مراكز البحث والجامعات ضدها. وأما ثالثة الأثافي، كما تقول العرب، فموقفه من تسليح الجيش السوري الحر، حيث تقلب في موقفه من رفض التسليح والوقوف ضد اقتراح هيلاري بيترايوس بينيت عندما كان على رأس عمله، إلى تبني التسليح بعد خروجه من وظيفته، شباط 2014، ومطالبته في مقالة له في النيويورك تايمز يوم 10/6/2014 تحت عنوان «سلحوا المعارضة السورية» بتزويده بأسلحة ثقيلة بما في ذلك صواريخ مضادة للطائرات، قال في المقالة: «من المؤكد أنه لا يوجد حل عسكري، ولكن من الممكن إنقاذ شيء في سورية من خلال تهيئة الظروف لإجراء مفاوضات حقيقية تجاه حكومة جديدة.
وهذا يتطلب تمكين المعارضة المسلحة المعتدلة». وعودته إلى معارضة التسليح، فقد نقلت عنه صحيفة ماكلاتشي، بعد اجتماعه مع قادة من الجيش السوري الحر في تركيا، قوله: «إن أمام المعتدلين فرصة ضئيلة ليصبحوا قوة قابلة للحياة، سواء ضد الأسد أو المتطرفين، قدر عددهم بعشرين ألفاً، وأضاف باختصار «ليس من المنطقي الاستمرار بإرسال المساعدة إلى الجانب الخاسر». هنا يمكن أن نذكر واقعة دالة بهذا الخصوص، فبعد ضربة الكيماوي في الغوطتين الشرقية والغربية زار عدد من نشطاء دوما وداريا، خلال جولة لهم على الأمم المتحدة والإدارة الأميركية لتقديم صورة عن الهجوم الكيماوي، الخارجية الأميركية والتقوا بالسفير الذي ترك الحديث عن الهجوم الكيماوي وأجرى مع الدارانيين تحقيقاً أمنياً عن عملية إسقاط مروحية للنظام فوق داريا يريد أن يعرف نوع السلاح الذي أسقطها ومن أين حصلوا عليه، وقد بلغ به الموقف حد اتهام مقاتلي داريا بالتواصل مع المتطرفين.
يبقى حديثه عن احتمال خسارة الكرد مراهنتهم على أميركا جديراً بالانتباه وأخذه على محمل الجد لأن السياسة الأميركية تتبنى في تعاطيها مع الملفات وإدارة الأزمات فحوى نظرية «التقاطع» التي طرحها زبغينيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في إدارة كارتر، في كتابه «أميركا في العصر التكنتروني» الذي نشره عام 1966، والتي تقول «بإجراء تحالفات وتعاون مع أية دولة أو قوة تتقاطع مصالحها مع المصالح الأميركية في ملف أو قضية ما، لأن محصلة التحالف ستصب في طاحونة الطرف الأقوى فيه».
المصدر : الحياة