للعماد أول مصطفى طلاس، وزير الدفاع في سورية 32 عاماً، انتهت في عام 2004، ورئيس الأركان قبلها أربع سنوات، كتابٌ اسمه “الثوم والعمر المديد، دراسة علمية”، صدر في 1987 عن دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر(هذا اسمها). وكتاب “النباتات الطبية الشعبية”، وهو “دراسة علمية” أيضا، صدر عن الدار نفسها في 1990، مختلفٌ عن سابقه قبل عام “المعجم الطبي النباتي”. وللرجل ديوانا شعر، تعلق الأول بغزلٍ في ملكة جمال لبنان قبل عقود، جورجينا رزق، سمّاه “تراتيل” (1988)، وحمل الثاني اسم “وسادة الأرق” (1989).
وهذه كلها من بين 47 كتابا لعضو اتحاد الكتاب العرب، الحائز ثلاث شهادات دكتوراه فخرية في العسكرية والإنسانيات والعلوم، متنوّعة الموضوعات والقضايا، في التاريخ والآداب والعلوم والحروب والثورات، فمنها واحدٌ من جزأين عن “ورود الشام”. ولافتٌ في أمرها أنها كلها صدرت بين عامي 1980 و1990، ما قد يعني أنه تأتّى له في تلك العشرية وقتٌ وفير، فانكبّ فيه على التأليف والدرس والبحث وقرض الشعر وتصنيف مختاراتٍ من عيون الشعر والنثر العربيين، ولو في غضون مسؤولياته في الذود عن حياض سورية، ليس من أعدائها الصهاينة والمستعمرين والإمبرياليين فحسب، بل أيضا من أذناب هؤلاء وعملائهم في الداخل.
وفاة مصطفى طلاس، في مشفىً باريسي قبل أيام، هي ما تذكّر، هنا، بتآليفه وتصانيفه تلك، والتي لم يُطالع صاحب هذه الكلمات أيا منها، ليس لأنه لم يُصادف كثيرا منها، بل ربما لأن كاتبها (وناشرها) لا يُؤخذ على محمل الجد، في أي شأن، فما بالك في الشعر وفوائد الثوم والثورة الجزائرية ومذبحة صبرا وشاتيلا.. . غير أن ثمّة بعض الخسران ربما في عدم مطالعة مذكّرات الرجل، “مرآة حياتي.. مذكّرات وخواطر” (1990)، أو على الأصح في عدم تصفحها والتجوال في مجلداتها الثلاثة (823، 895، 694 صفحة)، بالنظر إلى ما اشتملت عليه من مُلحٍ وخراريف وحكايا، واستشهاداتٍ وفيرةٍ من الشعر، على ما كتب عنها بعض من قرأوها، ونصحوا بقراءتها، (نفدت طبعاتها). وبحسب نتفٍ منها، ومراجعاتٍ صحافيةٍ شحيحةٍ عنها، فإن طلاس يروي فيها ويروي، ويحكي ويحكي، عن أمور عامة وشخصية وبيْن بيْن، وباسترسال و”أريحيةٍ” في مواضع غير قليلة، بل ثمّة فيها ما يمكن حسبانها اعترافاتٍ لم يجد السارد الماريشال ضيْرا في الإتيان عليها، ومن دون تحرّز، من قبيل علاقتين جنسيتين، إحداهما في فندقٍ في بيروت، وأيضا نقصان مؤهلاته التي حرمته من الدراسة في كلية الطيران، ما جعله يدرس في الكلية العسكرية.
وعلى ذمّة كاتبٍ ثقة، سكت مصطفى طلاس، في المجلدات الثلاثة (2532 صفحة) عن أمورٍ وأمور، وأسهب في أمور أخرى. وبدا أن هذه المجلدات قصّرت عن أن تضم كل سردياته التي أراد “نفع” قرّائه منها، فأصدر ما هو أشبه بملحقٍ بها، تعلق بالنزاع الدامي بين حافظ الأسد وشقيقه رفعت الأسد في 1984، سمّاه “ثلاثة شهور هزّت سوريا” (120 صفحة)، يفيدك الأرشيف بأن المخابرات السورية سارعت إلى لملمة نسخ الكتاب، وصادرته من منازل من اقتنوه أو أهدي لهم.
وليس عظيم الأهمية أن تُعرف أسباب غضبة بشار الأسد وأجهزته من هذا الكتاب الذي صدر في 2005، ويلعن فيه مصطفى طلاس سنسفيل رفعت الأسد، فعلاقة الاثنين ببعضهما كانت بالغة السوء، وحافلةً بالمؤامرات والمكايدات. ومعلومٌ أن وزير الدفاع العتيد كان من أهم أتباع حافظ الأسد، منذ شبابهما الأول، في الجيش و”البعث”، وفي الانقلابات والتصفيات إياها، وصولا إلى أحكام الإعدام التي تباهى صاحب قصائد “وسادة الأرق” بأنه كان، عقدين، يوقع نحو مائتين منها يوميا.
مات مصطفى طلاس، والجيش الذي ساهم عقودا في بنائه حُطام، والنظام الأمني العسكري الذي ساعد في تشييده على الهشاشة الراهنة.
مات ولم نقرأ شيئا من مؤلفاته الـ 47، تعفّفا أو ترفعا، غير أنه كان يحسُن أن يُقرأ شيءٌ منها، تسريةً للنفس، ولمصادفة ما قد يفيد، ولا سيما أن كاتبها (هل هو كاتبها فعلا؟) شخصية كاريكاتورية خاصة، مولعٌ إلى حد الهوس بجينا لولو بريجيدا، وصاحب مزاج مترف، لا يجد حرجا في إشهار شغفه بالصبايا والحسناوات ونجمات السينما… وفي الوقت نفسه، وزير دفاع دولة مواجهة.
المصدر : العربي الجديد