مقالات

وسام سعادة – الاحتلال اللبناني «الخوشبوشي» لمناطق من سوريا

يحتل مسلحون لبنانيون منذ سنوات عديدة مساحات من أراضي «الجمهورية العربية السورية» لا تقل عن مساحة لبنان.

اعتبر ذلك خرقاً لإجماع لبناني وقع في القصر الجمهوري، بتحييد البلد عن التدخل في نزاعات البلد المجاور، وأوجد الخلفية التي تقف وراء الشلل في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي فترة الفراغ الحكومي بعد استقالته في اذار 2013 (حيث لم يتح لخلفه تمام سلام تشكيل حكومته الا بعد احد عشر شهرا من تكليفه)، ثم الشغور الرئاسي بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان.

واذا كانت «قوى 14 اذار» ، كما كانت لا تزال تتسمى الى ذلك الوقت، قد رفضت في البدء المشاركة في نفس الحكومة مع «حزب الله» طالما هو متدخل، بعسكره، في سوريا، فلم يواظب على هذا الموقف عندما تشكلت حكومة الرئيس تمام سلام (شباط 2014) سوى «القوات اللبنانية»، التي عادت وبنتيجة طبيعة التقلّبات اللبنانية، فتحالفت مع أبرز حليف مسيحي لبناني للنظام السوري و»حزب الله»: العماد ميشال عون.

سلّمت القوى اللبنانية الممانعة أمام هيمنة «حزب الله»، في نهاية الأمر، بتدخله في سوريا كأمر واقع أصبح أكبر من قدرات اللبنانيين ويتطلب قرارا دوليا حاسما. وهذا التدخل للحزب هو من دون أي طلب رسمي من الحكومة السورية الى الحكومة اللبنانية، الأمر الذي يكرّسه احتلالا، بل ان الشعور به كوجود عسكري وطقوسي غريب جاثم على صدور السوريين، وتحديدا في مدينة دمشق، يشترك فيه الموالي للنظام مع المعارض له، بل لا يزال النظام يغذي نفورا دمشقيا عاما بازاء هذه الثقافة الوافدة مع الميليشيات اللبنانية والعراقية والافغانية، الأمر الذي يجد تعبيره المذهبي في حملة وزارة الاوقاف السورية الاخيرة ضد «التشيّع». لا يعني هذا ان الاعتراض اللبناني على التدخل في الحرب السورية قد سحب من التداول، لكنه اعتراض «تشمّع»، وصار أشبه بالتعويذة المضافة الى جملة ما نجح الحزب الموالي لإيران في «تهذيبه»، من شعارات سياسية مناوئة له تحوّلت بمرور الوقت، واختلال الميزان، وشعور الانكسار وانعدام الحيلة أو الانتهازية الصرف، الى مجرد تحفظات رمزية «حتى قدوم الساعة».

والحكومات الغربية: تدين كل ما يقوم به «حزب الله» في الصراع مع اسرائيل، وتمتعض من تجبّره على اللبنانيين الآخرين بالسلاح، لكنها قلما تلتفت الى تدخل الحزب في سوريا. تصنّفه ارهابيا، ولا تعتبره بريئا من هذه التهمة بتجربته المتواصلة في محاربة ما يتوسع فيه هو من «ارهاب تكفيري» في سوريا، ليشمل فصائل متطرفة وأخرى أقل منه تطرفاً، على حد سواء.

والأنظمة العربية: استأثر تدخل الحزب في الخليج واليمن بتصلب الموقف منه. اعتبر ارهابيا على هذا الأساس، وليس لأنه متدخل في الحرب السورية. صحيح ان الحزب له باع في تدريب وتجهيز وأدلجة كوادر الحوثيين، لكن درجة تدخله في سوريا هي في أقل الايمان أعلى من ذلك بكثير.

سوّغ الحزب تدخله، من دون اجماع لبناني، ولا طلب سوري رسمي الى الجانب اللبناني، بأنه ذاهب لحماية مرقد السيدة زينب، ثم لحماية قرى شيعية من الجانب السوري للحدود، ثم لمنع «الارهاب التكفيري» من التمدد نحو لبنان، في نفس الوقت الذي توجه فيه الى الجهاديين اللبنانيين «الذي قد نكون وأنتم مختلفين في تفسير الواجب الجهادي» الى ملاقاته في الملعب السوري، حصرا. وبعد ان طاولت عمليات انتحارية منطقة الضاحية الجنوبية خرج الحزب بصيغة ان هذه العمليات كانت ستكون اكثر ايلاما وفتكا لو تأخر في التدخل بسوريا. التزم الحزب في كل هذه السنوات بالنهج السوري الرسمي في الاحتفاظ بحق الرد بعد كل غارة اسرائيلية تستهدفه، لكنه لم يلتزم بأي حدود لتوغله في الأرض السورية، وبعد ان كان يركز على المناطق القريبة من لبنان، كالقصير ويبرود، توسعت خارطة عملياته الى ريف حمص، وحلب، والبادية.

وكلما زاد الحزب في التوغل، زاد اللبنانيون المخالفون له في التطبع مع «لا حيلتهم» حيال تدخله. في نفس الوقت، قويت نزعة بينهم لفصل هذا التدخل عن نتائج تسبب بها كليا أو جزئيا. فاذا كان اللجوء السوري الى لبنان لا يختزل في تدخل الحزب وحده، لكن هذا التدخل اكثر من اساسي بالنسبة الى اهالي القصير والمناطق السورية في سلسلة جبال لبنان الشرقية. معظم اللاجئين السوريين في مخيمات شرق لبنان هم من «لبنان الداخل» جغرافيا، او «الأنتي ليبانوس» كما سماه الاغريق والرومان، اي السلسلة الممتدة من ريف حمص الى القلمون الى الغوطة الى حرمون. تهجير «لبنانيي الداخل» هؤلاء الى سهل البقاع، يتحمل مسؤولية كبرى فيه تدخل الحزب في المناطق التي كان مسلحو الثورة السورية فيها هم من نسيجها الأهلي بالدرجة الاولى، وليس من «المهاجرين» الجهاديين.

ان لا يكون لدى اللبنانيين قدرة على كف يد «حزب الله» عن سوريا، فهذا شيء، وان يكون بوسعهم فصل قضية اللاجئين السوريين من جهة، وقضية المجموعات المسلحة في جرود عرسال، عن هذا اللجوء فهذه مسألة أخرى. ليس صحيا ابدا ان لا تكون تظاهرة واحدة خرجت في بيروت ضد احتلال لبنانيين – من دون علم حكومة بلادهم رسميا رغم مشاركة حزب التدخل في الحكومة، للأراضي السورية.

لكن ما هو مرضي بحق، هو افتعال الكبرياء، للتعتيم على الشروط الاولية للسيادة الوطنية والحد الادنى من الالتزام بحقوق الانسان المنصوصة دستوراً: كبرياء الذين لا يترددون في قذف كل من يخالفهم الرأي في موضوع اللاجئين، بأنه «داعشي»، في مفارقة يصبح فيها الدواعش، بهذا الاتهام الاعتباطي، حركة علمانية عابرة للطوائف في لبنان، في مقابل عنتريات عنصرية وطائفية لنعامات تخفي رأسها في الرمل، لا تريد ان ترى الى واقعة أساسية، كواقعة تدخل الحزب في سوريا، الا كاختلاف في الاجتهاد أو كضرورة مكروهة. بقي ان الحزب لا يعطي المجال للنعامات طول الوقت، فتدخله الوشيك في جرود عرسال، يبعثر الرمال التي تخفي فيها رأسها. وبعد كل الجدل حول دور الجيش واسلوبه، يعود حزب الله ليذكر عمليا بما قاله الشيخ نعيم قاسم لفظيا: اي ان الحزب يخرج من الحرب السورية وقد تحول الى «جيش عظيم»، وبمعادلة «خوشبوشية»: لبنانيون يحتلون عسكريا أحياء من العاصمة السورية، وجيش النظام السوري ‘العائد» الى سهل البقاع.

المصدر : القدس العربي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى