بدأت الحكاية إثر حملة المداهمة التي شنها الجيش اللبناني على مخيمين للنازحين السوريين في تخوم مدينة عرسال المحاذية للحدود اللبنانية السورية في سلسلة الجبال الشرقية، وما أعلنته قيادة الجيش عن تفجير انتحاريين لأنفسهم أثناء تلك المداهمات ما أسفر عن مقتل طفلة سورية من النازحين التي أعلن الجيش اللبناني أنها قضت نتيجة تفجير والدها نفسه.
الرواية التي شكك فيها كثيرون، ودعموا هذا الشك برواية تناقض تماما رواية الجيش تؤكد أن والدي الطفلة اللذين لا يزالان على قيد الحياة ومتواجدين في المخيم أكدا أن الطفلة قضت تحت أنقاض جدار بعد أن صدمته آلية للجيش اللبناني.
وما زاد الصورة قتامة الصور والأشرطة المصورة التي سُرّبت عن طريقة تعامل قوات الجيش اللبناني مع المئات من النازحين لحظة احتجازهم، وصولا إلى سقوط أربعة منهم على الأقل أثناء توقيفهم في أحد مواقع الجيش.
وقد ووجهت تلك التجاوزات المنسوبة إلى الجيش اللبناني باعتراضات واسعة باعتبار أنه لا يجوز لقوات نظامية أن تمارس ممارسات الميليشيات المسلحة، بل عليها أن تتعامل وفق القوانين النافذة محليا وضمن ما تفرضه القوانين الدولية في التعامل مع الموقوفين مهما كانت جنسياتهم وانتماءاتهم.
وقد ازداد الأمر تعقيدا بعد التعاطي الفظ لمخابرات الجيش مع موكلة ذوي الضحايا الأربعة التي حصلت على إذن قضائي بإجراء فحوصات مخبرية على عينات من الجثث لاستكمال التحقيق حول ظروف الوفاة، حين قامت وحدات من هذا الجهاز بملاحقة الموكلة إلى المستشفى الذي كان يفترض أن تجرى فيه التحليلات ومصادرة العينات منها بالقوة.
هذا التعاطي من المؤسسة العسكرية مع تداعيات مداهمات 30 يونيو، شغل الإعلاميين ووسائل التواصل الاجتماعي وانتهى إلى تبني مجموعة يسارية لبنانية الدعوة إلى لقاء تضامني مع النازحين السوريين في الثامن عشر من الشهر الجاري، وللمطالبة بتحقيق شفاف في قضية المتوفين أثناء التوقيف، ولرفع الصوت في وجه حملات التحريض العنصرية ضد السوريين عموما ونازحي المخيمات الفقراء خصوصا، كما في وجه الحملات العنصرية المضادة التي تنسب إلى سوريين ضد اللبنانيين.
لقد تم استغلال هذه الدعوة من قبل جهات استخبارية على ما يبدو، وتم إنشاء صفحتين على فيسبوك بشكل متزامن تقريبا واحدة تهاجم الجيش اللبناني واللبنانيين عموما وتدعو للمشاركة بالتحرك سابق الذكر، ولكن بنفَس عنصري مقيت، وأخرى تحت عنوان التضامن مع ذوي شهداء الجيش اللبناني بذات المواصفات العنصرية موجهة ضد السوريين النازحين ومخيماتهم في لبنان.
أسهم هذا التطور في رفع منسوب التحريض على النازحين السوريين بشكل مخيف، خصوصا أن الدعوة إلى التظاهر تضامنا مع النازحين ووجهت بدعوة للتضامن مع شهداء الجيش في المكان والزمان نفسيهما في بيروت، ما دفع المجموعة اليسارية التي دعت بداية إلى التحرك أن تلغي تحركها، ومن ثم منع وزير الداخلية أي تحرك احتجاجي أو تضامني أو سواهما في ذلك اليوم.
وفي حين تستمر وتيرة التحريض والعنصرية ضد النازحين السوريين في الارتفاع، تتزايد الأخبار وتتناقض حول تحركات الجيش اللبناني في عرسال وحولها، حيث تلعب وسائل إعلام الممانعة دورا رياديا في الترويج لعمليات عسكرية تمهيدية هناك لتعود قيادة الجيش فتنفيها.
وإذا كانت هناك شكوك كبيرة ومبررة حول تورط جهات استخبارية معينة في إنشاء الصفحتين سابقتي الذكر على فيسبوك للتحريض والتحريض المضاد، فإن الضخ الإعلامي المتزايد حول معركة عرسال والظروف الموضوعية الراهنة التي تحيط بالمنطقة تؤكد أن عملية “التسخين” تجري على قدم وساق لتلك المعركة، فلا يجد النازحون السوريون ولا حتى “العراسلة” من يحميهم أو يدين أي عملية اقتلاع ممنهجة يسعى إليها حزب الله ليستكمل سيطرته على الحزام الحدودي، بدءا من طريق دمشق عند نقطة المصنع، وصولا إلى القصير السورية في ريف حمص دون أي عوائق.
ولن يكون مستغربا، في ظل التوافق الداخلي بين المافيات الغاصبة للسلطة وللمؤسسات في لبنان، أن تستخدم مؤسسة الجيش اللبناني في هذه المعركة لتأكيد مشروعيتها، تماما كما استخدم الجيش العراقي والمؤسسات الأمنية العراقية في تدمير مدينة الموصل ليبسط الحشد الطائفي سيطرته هناك على أنقاض المدينة وتاريخها وأهلها.
السؤال الذي يفرض نفسه، في حال تم لحزب الله ما يريده من معركة عرسال، ما هو المصير المتوقع للحزام الحدودي بين لبنان وسوريا والممتد من نقطة المصنع جنوبا إلى مزارع شبعا المحتلة؟ هل سيكون من نصيب الاحتلال الإسرائيلي بذريعة سيطرة حزب الله على القسم الشمالي من الحدود؟ وهل ستظهر قريبا معالم خارطة السيطرة وتقاسم النفوذ التي اعتمدها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترامب في لقائهما الأول والمطول؟
المصدر : العرب