مقالات

رائد الحامد – إفراغ القلمون الغربي من الفصائل والنظام السوري هو الرابح الأكبر

تتقارب أهمية الموقع الجغرافي للقلمون الشرقي والغربي معا إلى حد بعيد مع أهمية الغوطتين الشرقية والغربية في فرض الطوق على العاصمة دمشق؛ وكما ان الاشتباكات والتناحر الفصائلي في الغوطة الشرقية تحديدا ساهمت بشكل واضح في التخفيف من الضغوط على النظام، فإن التناحر الفصائلي في القلمون عموما ساهم هو الآخر في تخفيف الضغط عن النظام وتقليل فرص سقوطه على اعتبار ان اسقاط النظام لا يمكن ان يأتي من خلال انتصارات عسكرية في حلب أو درعا أو الرقة انما في العاصمة وحدها.

بعد أحداث الموصل 2014 اتسعت مناطق سيطرة تنظيم «الدولة» في العراق وسوريا بشكل سريع تخطى حسابات الخبراء العسكريين؛ وشهدت المناطق الشرقية في سوريا أولى بوادر التوسع غير المحسوب في محافظة دير الزور على حساب جبهة فتح الشام التي انتزعت السيطرة على أجزاء واسعة من المحافظة التي كانت تخضع لسيطرة الجيش السوري الحر؛ لكن التنظيم اتجه غربا إلى مناطق سيطرة المعارضة المسلحة وجبهة فتح الشام في القلمون الشرقي الذي خضعت معظم مناطقه لسيطرة تنظيم «الدولة» قبل ان يخسرها شتاء عام 2017 والقلمون الغربي الذي ظل التنافس قائما بينه وبين فصائل الجيش السوري الحر وجبهة فتح الشام للسيطرة على كامل المنطقة.

الخلافات بين تنظيم «الدولة» وجبهة فتح الشام في المنطقة الشرقية وإخراج عناصر الجبهة من محافظة دير الزور في 2014 إلى جبهتي درعا والقلمون انعكست بشكل مباشر على طبيعة العلاقات بينهما في مناطق القلمونين الشرقي والغربي وعرسال؛ لكن المنطقة لم تشهد حالات اقتتال في الأشهر الأولى أو طيلة عامي 2014 و2015 حيث كان تنظيم «الدولة» في أوج قوته وتمدد نفوذه واتساع مناطق سيطرته وكثرة الفصائل والمجموعات التي تنتمي إليه من جهة، ومن جهة ثانية ثمة رأي ساد في أوساط الفصائل ان أمير جبهة فتح الشام في القلمون أبو مالك التلي، اتسمت إدارته للصراع مع تنظيم «الدولة» بالتهدئة والعقلانية لتجنب الدخول في اقتتال يعد استمرارا للاقتتال التي شهدته مناطق شرق سوريا أولا، ولطبيعة تواجد قوى معادية في المنطقة ثانيا مثل قوات النظام وحزب الله اللبناني.

لا يوجد من يؤكد صحة الروايات التي أشارت إلى ان تنظيم «الدولة» منذ الأيام الأولى لتواجده في القلمون حاول فرض البيعة على فرع جبهة فتح الشام في القلمون تحت طائلة التكفير للممتنعين على الرغم من حصول التنظيم في تلك الفترة على «بيعات» متعددة من فصائل أخرى فيما ظل ظاهر العلاقة بين الجبهة والتنظيم يسودها الود المعلن والسعي للتهدئة وعدم الانجرار للقتال بعد تشكيل مجلس مشترك أطلقا عليه اسم «المجلس الشرعي» الذي لعب دورا مهما في منع الاقتتال في المنطقة على الرغم من زيادة حدة الاشتباكات بينهما إلى جوار القلمون الغربي في منطقة دير القصب بالقلمون الشرقي ودرعا وريف حمص وغيرها.

وتركز تواجد تنظيم «الدولة» على خطوط التماس في شمال جرود القلمون الغربي مع كل من الجيش اللبناني وحزب الله على الحدود اللبنانية وجبهة فتح الشام جنوبا وفصائل المعارضة المسلحة المدعومة في معظمها من الولايات المتحدة شرقا التي حالت دون تحركات التنظيم باتجاه القلمون الشرقي ومناطق الضمير وغيرها؛ لكن التنظيم حاول توسيع مناطق سيطرته على جميع خطوط التماس بما فيها الخطوط الشمالية التي توصله إلى ريف القصير دون ان يحقق نتائج واضحة لكثرة الفصائل التي تقاتله خاصة بعد فك ارتباط جبهة النصرة مع تنظيم القاعدة الأم للنأي بنفسها عن لائحة التصنيف واتخاذها مسمى جبهة فتح الشام.

ومع ان الفصائل القريبة من الولايات المتحدة التي تسيطر على القلمون الشرقي هي في الواقع متحالفة مع جبهة فتح الشام وسرايا أهل الشام في القلمون الغربي في إطار غرفة عمليات مشتركة، لكن تلك الفصائل لم تفتح ما يكفي من الجبهات ضد قوات النظام ومقاتلي حزب الله لفك حصار القلمون الغربي وفتح الطريق أمام جبهة فتح الشام باتجاه القلمون الشرقي والعاصمة.

ركزت جميع الفصائل في القلمونين الشرقي والغربي جهودها للقضاء على أي تواجد لتنظيم «الدولة» في المنطقة من منطلق ان وجوده في المنطقة وعدم الانسجام معه يشكل عائقا أمام فك الحصار عن القلمون الغربي وربطه جغرافيا وعملياتيا بالقلمون الشرقي لفتح خطوط الإمداد وتعزيز قوة الفصائل التي تقف على خطوط التماس مع حزب الله اللبناني وقوات النظام ومجموعات شيعية مسلحة مدعومة إيرانيا.

ومنذ صيف وخريف 2015 أصبح واضحا ان تنظيم «الدولة» بدأ يخسر مناطق سيطرته بشكل متواصل، كما انه بات وحيدا في مواجهة تحالفات متعددة اضعفته كثيرا نتيجة تعدد الجبهات التي يقاتل دفاعا عنها وانحسار عمليات التجنيد بعد التضييق الدولي على حركة الأفراد وعوامل أخرى، ما شجع الفصائل مجتمعة، منذ أوائل 2016 على التركيز أكثر على قتال التنظيم بعيدا عن قتال قوات النظام، وهي استراتيجية أمريكية فرضتها على الفصائل المتعاونة معها مباشرة أو عن طريق أطراف أخرى مثل تركيا أو قطر والسعودية والأردن والإمارات بالتركيز على قتال التنظيم فقط أفصحت عنه الخطوة الأمريكية الأخيرة التي أرغمت لواء شهداء القريتين المرتبط بها على تسليم أسلحته بعد ان خرق الضوابط الأمريكية بعدم قتال قوات النظام.

شهدت الحدود اللبنانية الشرقية في القلمون الغربي جولات عديدة من المعارك بين حزب الله اللبناني وقوات النظام من جهة وتحالف طيف واسع من فصائل المعارضة المسلحة تحت مسمى جيش الفتح، لكن هذه المعارك خفت حدتها واقتصرت على اشتباكات خفيفة في حالات نادرة فيما انتقلت حدة المعارك إلى مستويات متقدمة بين جيش الفتح وتنظيم «الدولة» في شمال القلمون الغربي.

ومع تواصل المفاوضات منذ عدة أشهر بين حزب الله اللبناني وسرايا أهل الشام، الفصيل الأكبر في القلمون التابع للجيش السوري الحر، ركزت السرايا على التصعيد في قتال تنظيم «الدولة» وفتحت مطلع تموز/يوليو الماضي باب التطوع تحسبا لهجوم قد يشنه التنظيم على وادي حميد ومخيمات اللاجئين في عرسال، وفقا لبيان السرايا التي تفرض سيطرتها إلى جانب جبهة فتح الشام على معظم مناطق جرود وتلال بلدة عرسال اللبنانية وبلدة فليطة في القلمون الغربي في حين يسيطر التنظيم على بعض التلال في جرود عرسال أيضا وفي بلدات بريتال والعجرم والمعبر كمعاقل التنظيم المعروفة.

ستظل ثمة أسئلة تطرحها المفاوضات الناجحة برعاية الحكومتين اللبنانية والإيرانية بين حزب الله اللبناني وفصائل المعارضة المسلحة التي انتهت بالاتفاق على خروج المسلحين وعوائلهم من منطقة عرسال إلى الداخل السوري وما سيكون عليه وضع من تبقى من مقاتلي تنظيم «الدولة» في القلمون الغربي وتلال عرسال اللبنانية؛ وسيظل النظام السوري هو الرابح الأكبر من الاتفاق بعد خروج المسلحين حيث سيتم ربط الحدود اللبنانية في القلمون الغربي بمنطقة الزبداني والعاصمة دمشق جغرافيا لأول مرة منذ سنوات.

المصدر : القدس العربي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى