مرة أخرى يسأل المرء نفسه عن الذي جرى على الحدود اللبنانية السورية في الأسابيع الفائتة! فحرب الجرود التي خاضها «حزب الله» ضد «جبهة النصرة» وأفضت إلى انسحاب 120 مقاتلاً من النصرة كانوا يتمركزون على طرفي الحدود، كان ضجيجها أكبر من نتائجها، وخلف مشهد «النصر المبين» ثمة وقائع وحكايات يشيح اللبنانيون وجوههم عنها.
الحرب المزعومة لن تقترب من حقيقة أن هناك أكثر من مليون لاجىء سوري قذفتهم الحرب الحقيقية في سورية إلى لبنان. أكثر من مليون لاجىء بلادهم مدمرة، وتقيم النسبة الأكبر منهم في مخيمات مرتجلة وغير معترف بها، يدفعون فيها ايجار الأرض التي ينصبون عليها خيمهم، ويعملون بأجور زهيدة، ولم يذهب أطفالهم إلى المدارس للسنة السادسة على التوالي.
عنوان هذا القضية لبنانياً، هو الضيق بهم، وإشاحة النظر عن قصصهم الصغيرة التي حملوها معهم. والجواب اللبناني عن سؤال اللاجئين كان «حرب الجرود» التي صورت بصفتها مدخلاً لحل لبناني لهذه القضية!
هذه الحرب الوهمية لم تقترب من قضية اللاجئين، إن لم نقل إنها فاقمتها. وحكايات النازحين أوسع بكثير من تلك الحرب الضيقة على تخوم عرسال. هي في حجم الدمار الهائل في سورية، ومرشحة لأن تكون مولدة لمزيد من المآسي طالما أن العالم كله يتصرف على نحو ما تصرف لبنان في مأثرة الجرود، أي انه اختصر مأساتهم بمئة وعشرين إرهابياً كانوا يتمركزون على حدوده. وإشاحة الوجه عن حكاياتهم يوازيها إشاحة وجه عن حكاية أخرى تتمثل في أن النظام السوري الذي تتحالف معه حكومتنا، ويقاتل إلى جانبه الحزب اللبناني الأكبر، وله في عاصمتنا سفير يمتنع عن مصافحة رئيس حكومتنا، لا يريد للاجئين أن يعودوا. هو اليوم يسيطر على أكثر من 80 في المئة من مناطق نزوحهم، أي حمص والقصير وريف دمشق، لكنه لم يبد إشارة واحدة حيال قضيتهم. و «حزب الله» أيضاً لا يريد عودتهم، فهم كتلة ديموغرافية تعيد رسم الخريطة المذهبية في المناطق التي «انتصر» فيها الحزب في سورية.
اذاً الضيق اللبناني باللاجئين السوريين هو ضيق بالنفس، وهو ينطوي على صفاقة سياسية وأخلاقية لا تخطؤها عين. من جهة إشاحة النظر عن قصة مأساتهم، ومن جهة أخرى تحميلهم تبعات سقطاتنا الأخلاقية وانحيازنا إلى نظام تسبب بمأساتهم وقتالنا إلى جانبه.
لبنان هذا، لم يوجه سؤالاً واحداً الى الحكومة الحليفة في دمشق تتعلق بقضيتهم. واستعاض عن ذلك بأن تعامل معهم بصفتهم مسؤولين عن مأساتهم ومأساته.
مئات آلاف الأطفال خارج المدارس، لم تلتفت إليهم الضائقة اللبنانية إلا بصفتهم مشاريع «إرهابية» على وشك التحقق. إنهم «عبء» على رغم انشغالنا بالفساد الذي رافق عمليات الإغاثة الدولية والمبالغ التي تتقاضاها وزاراتنا ووزراؤنا من الصناديق الدولية لمساعدتهم. إنهم عبء بينما النظام الذي هجّرهم له مكان واسع في قلوبنا. إنهم عبء على رغم أنهم القوة العاملة الوحيدة في قطاعَي الزراعة والبناء. وهم عبء على رغم أن أحداً لم يقل لنا شيئاً عن قيمة الفاتورة اللبنانية المتوجبة على هذا العبء بعد أن نحذف منها حجم المساعدات الدولية التي تبلغ نحو بليون يورو سنوياً.
القضية ليست أعباءهم التي تترجم أحياناً غنائم. القضية أنهم رقم مذهبي في المعادلة اللبنانية، وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى حقيقة أن لبنان المذهبي ساهم في تهجيرهم من بلادهم إلى بلادنا. التغيير الديموغرافي في سورية لن يُنجز من دون تهجير مذهبي في لبنان. هذه حقيقة ثقيلة على قلوب لبنانية كثيرة ساهمت في المهمة السورية، وتقف اليوم عاجزة أمام المعادلة المستجدة في لبنان.
مدن السوريين المدمرة لن تؤوي هؤلاء اللاجئين. حمص وحلب والقصير ويبرود كلها اليوم تحت سيطرة النظام. والأخير لم يطلب ممن يُفترض أنهم مواطنوه أن يعودوا! وهذا ليس مؤشراً للمرتعدين اللبنانيين من اللاجئين إلى أن المسؤولية تقع على حليفهم وليس على طفل سرق وزراء ومسؤولون لبنانيون المساعدات الدولية التي وصلت لإغاثته.
المصدر : الحياة