مقالات

وائل السواح – مَن الذي هُزم في الحرب السورية؟

قال مبعوث الأمم المتحدة لمحادثات السلام السورية ستيفان دي ميستورا قبل أيام إن على المعارضة السورية أن تقبل أنها لم تنتصر في الحرب على بشار الأسد، ولكنه نسي أن يفصل الأسباب.

في 2013، وصل بشار الأسد إلى حدّ من الضعف والانهيار دفعه إلى استخدام غاز السارين على نحو واسع في غوطة دمشق، وقتها تأهب العالم بقيادة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ليتدخل في سورية. لم تكن داعش وقتها شيئاً يذكر، ولم تكن النصرة قد وصلت إلى ما وصلت إليه بعد أقل من سنة. هرع الروس لإنقاذ بشار ورشوة الأميركان والإسرائيليين بنزع سلاحه الكيماوي وتوقيعه على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة الكيماوية. النتيجة كانت بعد أشهر تشتت الجيش السوري الحر، وتقاسم المناطق المحررة ما بين داعش (الرقة ودير الزور وبعض مناطق الجنوب والقلمون) والنصرة (إدلب ومناطق أخرى من ريف حلب وحماة). أما جيش الإسلام وفيلق الرحمن فتكفّل واحدهما بالآخر.

على أن ذلك لم يمنع الانحدار الشاقولي للأسد، ما دفع الروس إلى التدخل مباشرة في الحرب ضدّ السوريين لدعمه. وقام سلاح الجو الروسي بتنفيذ نحو 28 ألف تحليق قتالي و90 ألف غارة على مواقع المعارضة السورية (معظمها مواقع مدنية)، وفق تصريحات رئيس غرفة العمليات في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية سيرغي رودسكوي، مؤخراً.

وبينما رفع الرئيس أوباما سقف تصريحاته الكلامية، فإنه توقف عند حدود الكلمات الشكسبيرية، من دون أن ينتقل إلى الفعل، وانسحب وسحب معه الدور الأميركي المؤثر من محادثات جنيف والمسار السياسي، تاركاً الملعب للرئيس بوتين والمرشد الإيراني علي خامنئي ليجولا فيه كما يشاءان ويشاء الهوى. في المقابل، تقاسمت القوى الإقليمية الفصائل المسلحة السورية وتنظيمات المعارضة وفق مبدأ المحاصصة، فانهارت مؤسسات المعارضة (الائتلاف الوطني والحكومة الموقتة)، وقتلت الفصائل المسلحة من عناصر بعضها بعضاً أضعاف ما قتلت من عناصر النــظام وشبــيحة الأسد والميليشيات الطائفية الغريبة.

وحين جاء الرئيس ترامب، ألغى كل إجراء كان أوباما قد اتخذه في السياسة الداخلية والخارجية، ما خلا موقفه من سورية. لطالما اتهم ترامب أوباما بأنه سبب الكارثة في سورية، ولكنه ينسى أنه هو الآن الرئيس الآن وليس أوباما وأن من واجبه بصفته كذلك أن يمارس دوره كرئيس للولايات المتحدة والعالم. وحين وجّه ضربته إلى مطار الشعيرات بعد مجزرة الأسد الكيماوية في خان شيخون، كان الجميع – بمن فيهم الروس والأسد – يعرف أن ذلك حدث عابر وانفعالي يتسق مع سياسة ترامب اللحظية المنفصلة عن إستراتيجية واضحة ومترابطة.

لقد ذكر رئيس الهيئة العليا للمفاوضات الدكتور رياض حجاب مرات لا حصر لها للمسؤولين الأميركيين (تحت الرئيسين أوباما وترامب) ولمختلف وسائل الإعلام أن المعارضة السورية مستعدة للمشاركة في الحرب ضدّ الإرهاب، وهي مستعدة وجاهزة لإدارة المناطق الآمنة (أو المنخفضة التصعيد)، كمرحلة موقتة بانتظار حل سياسي يضمن تحقيق انتقال سياسي ينقل سورية من نظامَي الاستبداد والإرهاب إلى نظام ديموقراطي تعددي يقوم على حقوق الإنسان والمواطنة المتساوية وسيادة القانون واللامركزية، ولكن محاوريه نادراً ما كانوا يصغون إليه، ورفضوا السماح للسوريين من أبناء منطقة الرقة ودير الزور أن يقاتلوا داعش، وسمحوا للورس والإيرانيين وبقايا جيش الأسد بالوصول إلى مدينة دير الزور واحتلال الضفة الغربية لحوض الفرات، بينما لا يزالون يفكرون في من سيقوم بالتدخل شرق الحوض.

لا يعني هذا بأي حال من الأحول أن المعارضة السورية معـــفاة من مسؤولية تطور الأحداث بهذا الشكل المخزي. فـــهي رهـــنت قراراتها بالخارج السوري (مهما كان ذلك الخارج). وهـــي ثانياً عجزت عن امتلاك خطاب سياسي متماسك حــول القضايا الراهنة للسوريين. وهي ثالثاً فشلت في وضع تصور عن اليوم التالي لسقوط الأسد أو لجلاء داعش. وأخيراً تشرذمت وتفرقت أيدي سبأ وخونت بعضها بعضاً أو كفّرته أو أنهته جسدياً ومعنوياً.

واليوم، نحن أمام سؤال مهم: من الذي انتصر ومن الذي هزم في الحرب السورية؟ حين سُئِل السيد دي ميستورا عما إذا كان يقول ضمنًا أن بشار الأسد انتصر في الحرب قال دي ميستورا «لست أنا من يكتب تاريخ هذا الصراع… لكن في اللحظة الحالية لا أعتقد أن أي طرف بإمكانه حقيقة إعلان الانتصار في الحرب». ولكن رئيس النظام السوري أعلن قبل أسابيع انتصاره على شعبه بلغة فاشية، قائلاً إن سورية «كسبت مجتمعاً صحياً متجانساً» نتيجة حربه المدمرة. فمن الذي هزم ومن الذي انتصر في المأساة السورية؟
نعرف جميعاً أن خطاب الرئيس مزحة سمجة. فمن المؤكد أن كلا النظام والمعارضة هُزِما، ليس فقط بسبب تحول سورية إلى مساحة من الخراب والخوف والقتل والتهجير، وإنما لأن مشروعيهما فشلا معاً. فلا الأسد استطاع إبقاء قبضته الحديدية على السوريين وعلى الدجاجة الذهبية، ولا المعارضة استطاعت إسقاط الأسد وتحويل سورية إلى ما تطمح إليه.

والحال أنه إذا اعترفنا – كما يقول كثر من القادة والمحللين بأن ما يجري في سورية كانت حرباً بالوكالة، فإن أكبر المنتصرين حتى اليوم هم الروس والإيرانيون. وأكبر الخاسرين هم الإدارة الأميركية وهيبتها ومكانتها في العالم، وحلفاؤها أيضاً. ولكنَّ بين الخاسرين أيضاً الحالمين بنشوء ديموقراطية جديدة في هذه البقعة من العالم.

في مطلع الثورة السورية، كانت ثمة فرصة ذهبية لإزالة سوء التفاهم التاريخي بين السوريين والإدارة الأميركية وتحقيق مصالحة تاريخية بين الطرفين. بل كان يمكن أن ينعكس ذلك في سلام دائم وحقيقي بين سورية وإسرائيل. ولكن هذه الفرصة ضاعت بسبب تردد إدارة الرئيس أوباما، كما ضاعت بعد ذلك بعد فشل الرئيس ترامب في تغيير السياسة الأميركية حيال سورية. واليوم، باتت إيران في قلب دمشق، وعلى أبواب إسرائيل، وها هي ذي تهيئ لاستدامة حكم آل الأسد وهي تمدّ لسانها للأميركيين والسوريين والعالم بأسره.

المصدر : الحياة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى