مقالات

سميرة المسالمة – استحقاقات ما بعد «سوريتي» الأسد والمعارضة

تتابع أوساط المعارضة السياسية معاركها «الدونكيشوتية»، مرّة ضد منصّات المعارضة الأخرى، وتارة ضد المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، وفي أحيان تلقي باللائمة على بعض الدول «الصديقة» عن تراجع دعمها لها، ولكنها في معظم الأوقات تصمت عن تغير مواقف بعض الدول من الثورة ووقف دعم الفصائل العسكرية والقبول ببقاء الأسد، بسبب ارتهانها لها.

يجري كل ذلك في وقت تتزاحم فيه الاستحقاقات الجدية في قضية الصراع السوري، وفي وقت تفلت فيه كل خيوط الصراع من بين أيدي السوريين نظاماً ومعارضة، على رغم علم قيادات المعارضة أن المعارك التي تخوضها إعلامياً لا تدخل ضمن نطاق العمل السياسي أو الديبلوماسي، الذي يحولها إلى أداة ضغط تستفيد منها لاحقاً، بل على عكس ذلك حيث تتحول تلك «المعارك» إلى مقدمات لتنازلات لاحقة، إذ ما يجري رفضه في مرحلة، يُقبل به بعدها.

في هذه المرحلة، مثلاً، تواجه المعارضة ثلاثة استحقاقات كبرى، من المفترض انها تضع أساسات الحل للصراع السوري خلال الشهرين القادمين، كما أعلن دي ميستورا. طبعاً هذا الحل لن يكون وفق إرادة السوريين من المعارضة والنظام، وهو لن يحقق للنظام طموحه بالعودة إلى الهيمنة على سورية أمنياً واقتصادياً، كما كان حاله قبل 2011، إلا أنه يرضي بعض مطالبه في البقاء الشكلي كنظام حاكم، في حين تتبدد أحلام السوريين الذين ثاروا ضد النظام لإنهاء الاستبداد، وإقامة دولتهم الديموقراطية المؤسسة على حقوق متساوية للمواطنين. ووفق المعطيات فإن الحلول المقترحة هي مجرد تقاسم نفوذ بين الدول المتصارعة على سورية (روسيا- الولايات المتحدة الأميركية- إيران- تركيا)، ما يتطلب عملاً واقعياً وجاداً من المعارضة تنزع فيها قياداتها مصالحها الشخصية، وتقطع مع ارتهاناتها لهذه الدولة أو تلك. وتتمثل الاستحقاقات المذكورة في اجتماع آستانة (المنعقد حالياً)، ومؤتمر الرياض 2 المقرر خلال الشهر المقبل، ولاحقاً الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف. وأهمية هذه الاستحقاقات تنبع من الواقع الجديد المتمثل:

أولاً- في إعادة تموضع الأطراف المتصارعة على سورية (وأدواتها المحلية) على خريطة الصراع، بخاصة مع تغير التحالفات الإقليمية للقوى المنخرطة في الصراع السوري، الأمر الذي تجلى خلال جولات آستانة والتوافقات الروسية -التركية -الإيرانية.

ثانياً- مصير اتفاقات «خفض التصعيد» التي مررتها روسيا خلال الأشهر الماضية، وأنهت من خلالها الصراع المسلح بين الفصائل المسلحة المعارضة والنظام السوري، وحولت الجميع الى معركة ضد «داعش».

ثالثاً- تحويل جولات التفاوض في جنيف إلى جلسات تقنية استفادت منها روسيا، لتمرير تفسيرها لبيان جنيف 1 والقرارات الأممية لا سيما 2118 و 2254، وتالياً تحويل المفاوضات إلى نقاش حول توحيد وفد المعارضة، أو مكافحة الإرهاب، بهدف تعويم النظام.

على ذلك فإذا استطاعت روسيا أن تنهي اجتماعات آستانة وفق مخططها بانتزاع تركيا، «الصديقة» للمعارضة السورية، ووضعها على خريطة أصدقاء دمشق، في عملية مقايضة مع إيران، وسط صمت المعارضة السياسية، ولاحقاً ترحيبها، «المجبرة عليه»، بإقامة منطقة «خفض تصعيد» في إدلب، ستكون عبارة عن تجمع لكل المعارضين تمارس تركيا فيها دور الضامن لإنهاء الصراع مع النظام، وتحديد نشاط هذه المعارضة داخل هذه المنطقة، وتحويل الفصائل العسكرية إلى مجرد أجهزة شرطية تحت الإشراف التر كي. وطبعاً فإن المقابل لذلك استقرار نفوذ إيران في العاصمة ومحيطها، وصولاً إلى حدودها مع لبنان حيث «حزب الله». ويستنتج من ذلك أن هذه الجولة من آستانة ستكون، على الأرجح، بمثابة إغلاق الملف العسكري للمعارضة المدعومة تركياً، ووضعه ضمن ملفات روسيا للتفاوض عليه مع الإدارة الأميركية وأوروبا لاحقاً.

لن يقف الأمر عند ذلك، إذ من المرجح أن تنتقل روسيا من الملف العسكري في آستانة إلى تنفيذ مخططها في إعادة هيكلة المعارضة السياسية، وذلك من خلال مؤتمر الرياض 2 لتوسعة الهيئة العليا للمفاوضات، ومشاركة كل من منصتي القاهرة وموسكو وبعض الشخصيات المستقلة، لإنجاز كيان جديد من شأنه أن يلغي كل الكيانات السابقة التي اعترضت عليها موسكو، وامتنعت عن الاعتراف بها كممثلة عن المعارضة السورية، ومن المأمول لروسيا أن ينتج هذا المؤتمر وفداً تفاوضياً واحداً، يجلس مقابل النظام، وترعاهما روسيا- بحكم التفاهمات التي عقدتها مع كل الأطراف المتدخلة في الشأن السوري عربياً وإقليمياً ودولياً- بنفس القدر والهيمنة، وتكون أساس التوافقات فيه: الوثائق التقنية الثلاث التي تم التوصل إليها في جولة التفاوض التقنية، والتي عبرت الهيئة العليا عن رفضها لها، سابقاً، على رغم وجود وفدها خلال استخلاصها في لوزان (6-7 تموز/يوليو 2017، وهو ما أكده الوسيط الدولي في إحاطته أمام مجلس الأمن في (30 آب/أغسطس 2011).

مما تقدم، نحن أمام خيارين: إما أن نفهم أن قيادات المعارضة تعرف تماماً ما هو دورها في المرحلة المقبلة الذي رسمته لها القوى الدولية التي أوجدتها، ولذلك فهي تخفي عن السوريين مجريات الأحداث، وتشغلنا بمعارك وهمية تارة مع منصة موسكو، وتارة مع دي ميستورا «الموظف»، أو أنها تتخبط في عملها وهذا أقصى ما تستطيعه، بالتالي يكون السؤال: لماذا على السوريين أن يبقوا على قيادات فشلت في إدارة صراعهم مع النظام علماً أن أطرافاً خارجية اختارتهم؟ وفي الوقت ذاته من أجل ماذا على السوريين أن يقدموا مئات آلاف الشهداء، ومثلهم جرحى وملايين المهجرين إذا كانت هي هذه المآلات؟

ولعل طموحات «الهيئة العليا للمفاوضات» واضحة فيما نشر عن اجتماعها في 6 أيلول (سبتمبر) الجاري، والذي يؤكد أن كل مساعيها تقتصر على الحفاظ على أعضائها الـ 28، على رغم كل ما أحاط عملهم خلال الفترة الماضية من إخفاقات، ليكون اجتماع الرياض2 عملية «لصق» وترقيع، إذ يضاف إلى «الهيئة العليا» 23 عضواً فقط يتم اختيارهم وفق مواصفات تضعها الهيئة نفسها! ما يعني أن ما سنذهب إليه ليس مؤتمراً وطنياً، يعاد فيه الاعتبار إلى المسار الديموقراطي الذي تنادي به الأطياف السورية المعارضة، وتطالب بتنفيذه من جانب النظام، في حين يجري تغييبه في عمل المعارضة وتشكيلاتها.

وفي الوقت الذي يسابقنا فيه الزمن يتوجّب علينا الإلتفات إلى ما بعد الرياض2 لوضع البنى اللازمة لصيانة رؤيتنا حول «سورية كل السوريين»، من خلال الجولة الثامنة لجنيف، بعد أن سقطت «سورية الأسد» بفعل الحراك الشعبي، و «سورية المعارضة» بفعل ارتهان قياداتها وأخطائها المتتالية، وبفعل مسار آستانة الذي حول سورية إلى مناطق نفوذ، حيث تأتي أخبار اجتماعات لجنة الهيئة العليا للإعداد لمؤتمر التوسعة، لتعيد من جديد فكرة التفكير بالمناصب الدائمة، وهذه المرة من داخل صندوق النظام الفكري، وليس من خارجه.

المصدر : الحياة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى