اللاجئون الفلسطينيون في سورية، كما اللاجئون الفلسطينيون في لبنان والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة، تحت وصاية وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي أسست بموجب قرار مجلس الأمن رقم 302 في ديسمبر/ كانون الأول 1949. وقد بينت الوكالة أن النزاع في سورية خلال العام 2017 يستمر بوحشية وضراوة متزايدة، فيما أن الجهود الساعية إلى التوصل إلى حل سياسي لم تحقق النجاح المنتظر. وحسب الوكالة، يوجد الآن ما يزيد على 4,8 ملايين شخص سوري مسجلين لاجئين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وقرابة 6,5 ملايين شخص مهجرين داخل البلد، ما يجعل هذا الوضع يمثل أكبر أزمة تهجير في العالم.
وفي خضم هذا العدد غير المعقول من إراقة الدماء والدمار، يعد اللاجئون الفلسطينيون من بين أشد المتضرّرين، فمن بين 560,000 لاجئ فلسطيني مسجلين لدى “أونروا” في سورية، اضطر حوالي أربعمائة ألف للنزوح عن مساكنهم، وما يزيد على 120.000 نزحوا عن البلد إلى لبنان والأردن ومصر، وإلى أبعد من ذلك، بما يشمل أوروبا. ولا يزال 280,000 لاجئ فلسطيني من ضمن النازحين داخل سورية، فيما 43,000 عالقون في مناطق محاصرة، ويصعب الوصول إليها، بما في ذلك مناطق القتال في اليرموك وخان الشيح.
في مخيمات سورية
ويظهر بوضوح أن لاجئي فلسطين هم من بين الأكثر تضرّرا جراء النزاع، حيث إن أكثر من 95% من الذين لا يزالون في سورية (430,000 (بحاجة ماسة لمساعدة إنسانية مستدامة. وبالتالي، فإن الأزمة السورية التي بدأت عام 2011 لم تقتصر تأثيراتها على الشعب السوري ومقوماته الوطنية، فمسار الأزمة، والذي أخذ طابعا عنفياً من مختلف أطراف النزاع لم يستثن اللاجئين الفلسطينيين من تداعياته، على الرغم من السعي الحثيث، لدى غالبية الأطراف الفلسطينية على المستوى الشعبي، إلى عدم الانجرار والانغماس في الصراع الدائر هناك، وقد تمثل في نداءٍ جرى العمل عليه عام 2013 من مجموعة “عائدون في سوريا”، للنأي بالفلسطينيين عن مسارات الصراع هناك، إثر عقد ندوة في بيروت، شاركت فيها فصائل العمل الوطني الفلسطيني، و”الأونروا” ونشطاء من الجمعيات الأهلية، والهيئة العامة للاجئين العرب في سورية. غير أنه للأسف، لم تنجح تلك المحاولة في لجم آليات الصراع عن الامتداد إلى المخيمات، كما أن الحالة التي تعيشها المخيمات الفلسطينية تؤشر إلى مخاطر فعلية، تتناول الرمز الوجودي للاجئين الفلسطينيين وللمخيمات. ومن أشكال المخاطر إفراغ أكثر المخيمات وتدميرها، حيث أظهرت المعلومات المتعلقة بالمخيمات، والتي نشرت عام 2014-2015 ما يلي:
نزوج 75% من سكان مخيم اليرموك الذي كان يبلغ سكانه نحو 200 ألف لاجئ. نزوح 90% من أبناء مخيم السبينة، الذي كان يقطن فيه حوالى 30 ألف لاجئ. نزوح 95% من قاطني تجمع الحسينية الذي كان فيه حوالي 40 ألف إنسان.
نزوح حوالى 50% من سكان مخيم خان الشيح البالغ عدد سكانه حوالى 20 ألف شخص. مخيم درعا، كان من أول المخيمات التي استهدفت، حيث نزح 95% من سكانه البالغ عددهم 10 آلاف شخص. مخيم حندرات، جرفته الحرب بالكامل، ونزح خمسة آلاف من قاطنيه إلى مناطق أخرى. مخيم الرمل في اللاذقية، أجبر ما بين 5 آلاف و10 آلاف على مغادرته، هربا من القصف الذي استهدف المخيم، أو بطلب من السلطات السورية. وحسب تقرير لمركز الزيتونة في بيروت، فإن “أونروا” ذكرت في العام 2015 أن النازحين داخليا بلغوا أكثر من 233 ألفا.
والتوزيع: دمشق (200 ألف) درعا (13100) حلب (6600) حمص (6450) اللاذقية (4500) حماة (3500). المجموع (233700).
في الأردن
وإضافة إلى حالة اللاجئين الصعبة في الداخل السوري، أظهر مسار الأحداث أيضاً أن لاجئين فلسطينيين عديدين من سورية في لبنان والأردن يعيشون في ظروف محفوفة بالمخاطر، ومهمشّة بسبب وضعهم القانوني غير الواضح، فمنذ بداية الأزمة استقبلت المملكة الأردنية الهاشمية (واستضافت) مئات آلاف النازحين بسبب النزاع، بما في ذلك الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين من سورية.
وما زال الفلسطينيون الذين يريدون مغادرة سورية بحاجة إلى إذن من الحكومة السورية. وعلى الرغم من أن “أونروا” ذكرت أنه جرى تخفيف تلك الإجراءات، فحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، فقد أخبرت روان ناصر التي تعمل في منظمة غير حكومية، أنه قد طلب من الناس إيداع مبالغ مالية كبيرة للحصول على إذن المغادرة من الحكومة السورية، أو أنهم أجبروا على تقديم خدمات جنسية لمسؤولي الحدود للمغادرة. وقد واجه اللاجئون الفلسطينيون إلى الأردن معاملة غير متلائمة مع حالة اللجوء التي واجهها أقرانهم من السوريين، حيث جرى عزلهم عن السوريين، وطبقت عليهم قوانين لم تطبق على السوريين، فحرم الفلسطينيون من إجراء المواطن الأردني كفالة للاجئ الفلسطيني القادم من سورية، فيما سمح للسوري بذلك، كما وهدّدوا بإعادتهم إلى سورية.
وقد جرى ضبط وجود الفلسطينيين في الأردن في مخيم محاذٍ للحدود السورية في منشأة تشبه مساكن الطلاب، يطلق عليها اسم “سايبر سيتي”، ( 90 كيلومتراً شمال عمّان)، حيث لا يسمح لهم بالتنقل إلى مناطق أخرى في الأردن. وقال فلسطينيون إنه لم يُسمح لهم بالتنقل أبعد من 30 متراً عن المبنى، علماً أن المخيم يبعد نحو 12 كيلومتراً عن وسط مدينة الرمثا، ولا تتوفر خدمات النقل العام له.
وحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، فإن غالبية من هم في المخيم هم من الأردنيين الفلسطينيين الذين تم سحب جنسيتهم منذ سنوات. وقد اعتمد الأردن في العام 2013 سياسة عدم السماح بدخول اللاجئين الفلسطينيين من سورية، ما أثر على معدل الوافدين. وحسب البيانات المتوفرة في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2016، بلغ مجموع اللاجئين الفلسطينيين من سورية المسجلين في الأردن 16,779 فرداً.
ولا يتاح لهم الوصول إلى الخدمات المتاحة للاجئين الآخرين غير الفلسطينيين من سورية مثل المقدّمة من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي، وغير ذلك من مقدمي مثل هذه المساعدات. ويتم تقديم المساعدات المتوفرة لهم عبر “الأونروا” باعتبارها طرفا رئيسيا مسؤولا عن إغاثتهم، ولا توازي المساعدات التي تقدم للسوريين، لا في الأردن ولا في لبنان. وفي هذا السياق، وعدت سفيرة أميركا في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، عندما زارت مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن في 22 مايو/ أيار 2017، بمزيدٍ من الدعم والحماية للاجئين السوريين، ولم تقم بزيارة مخيم اللاجئين الفلسطينيين. علاوة على ذلك، يواجه اللاجئون الفلسطينيون من سورية عدداً ضخماً من القيود على الحماية، بما في ذلك غياب الصفة القانونية، وصعوبات في الحصول على الإقامة القانونية أو المحافظة عليها، ومحدودية حرية الحركة في بعض الحالات، ووجود خطر حقيقي جداً بالإعادة القسرية للذين دخلوا بطريقة غير منتظمة، وتحد هذه العوامل من وصول اللاجئين الفلسطينيين من سورية إلى فرص العمل والخدمات العامة.
في لبنان
أما اللاجئون إلى لبنان من فلسطينيي سورية الذين وصل عددهم إلى 79341 ألفا عام 2013، وتوزعت غالبيتهم في المخيمات الفلسطينية، ومعظم الفلسطينيين الفارين من سورية إلى لبنان، ذهبوا إلى أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الاثني عشر، لكن المخيمات في بيروت تضم أحياء فقيرة مزدحمة بالسكان. وفي البداية، من الناحية الرسمية، وبخلاف السوريين الذين يمكنهم دخول لبنان بحرية مدة تصل إلى ستة أشهر، يحصل الفلسطينيون على إذن إقامة أسبوعا. وبمجرد أن تنتهي صلاحية هذه الإقامة على كل فرد دفع 50,000 ليرة لبناني (33 دولارا) كل شهر لتجديد تلك الإقامة. بيد أن استمرار النزاع في سورية والهجرة منها أديا إلى وضع ملتبس وصعب، فمنذ مايو/ أيار2014، واجه الفارّون منهم إلى لبنان قيوداً مشدّدة، تحد من قدرتهم على دخول الأراضي اللبنانية بصورة قانونية. كما يواجه الذين دخلوا لبنان تهديداتٍ بسبب صفتهم القانونية غير المستقرة، حيث اعتبروا كأنهم زوار، وليسوا لاجئين، ولا سيما من حيث الوصول المحدود إلى إجراءات التسجيل المدني الضرورية، والتي تتضمن، مثلا، دفع تكاليف ورسوم عالية، وضرورة أن تقوم الأسرة بتبليغ السلطات. علاوة على ذلك، عندما تمنح تصاريح الإقامة، كثيراً ما تكون سارية لعدد قليل من الأشهر. وبالتالي، يؤدي عدم وضوح صفتهم القانونية إلى صعوبة الوصول إلى الخدمات المختلفة وحرية الحركة.
وأظهر استبيانٌ أجرته مؤسسة تطوير بين اللاجئين الفلسطينيين من سورية إلى لبنان عام 2015 أن نحو 98% من اللاجئين صار وجودهم غير قانوني، أي أن إقاماتهم انتهى مفعولها، ولا يعرفون في ظل غياب سياسة لبنانية محدّدة تجاههم كيف ستجري آلية التجديد. وبالتالي، يعانون من عدم حرية التنقل، ما يعرّض بعضهم للتوقيف من الأجهزة الأمنية، ثم يفرج عنهم بعد التوقيع على ضرورة تجديد إقاماتهم. وحسب التقرير نفسه، تحتل مشكلة الإيواء أولوية احتياجاتهم، فمعظمهم يعيش في منازل غير صالحة للسكن أو في تجمعات. ومن استطاع الحصول على شقق للإيجار، فإنه يئن تحت وطأة غلاء الإيجارات. كما ويشكون من ضآلة المساعدات الغذائية المقدمة لهم وسوء نوعيتها. كما ويحتل مطلب تأمين فرص العمل أحد احتياجاتهم، مع أن من يحظى منهم بفرصة عمل تُمارس عليه شتّى أنواع الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي. ومنذ مايو/ أيار 2014، ما عادت السلطات اللبنانية تسمح بدخول اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في سورية، إلا إذا كانت في حوزتهم الوثائق الطلوبة للسفر إلى بلد ثالث، وحدّدت مدةَ إقامتهم في لبنان بفترة أقصاها تسع ساعات. وبالتالي، فإن سوء أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية وعدم إمكانية العودة إلى أماكن سكنهم الأصلية في سورية يجعل السفر يشكّل احتياجاً أساسيّاً، وينظرون إلى وجودهم في لبنان باعتباره لحظة انتظار للانتقال إلى مكان آخر.
ولذا، فإن المطلب الأكثر إلحاحاً لدى اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سورية هو السفر، لأنهم يرون أن لا مستقبل لهم في لبنان، ولا إمكانية للعودة إلى سورية التي يبدو أن أحداثها ستكون مديدة. وبسبب عدم وجود تجديد آلي للإقامة، فإن أحد أهم احتياجاتهم تجديد إقاماتهم القانونية. وقد دفعت هذه الوضعية القائم بأعمال مدير شؤون “الأونروا” في لبنان، روجر ديفيز، حينها للقول إن “هناك تمييزا واضحا بين الفلسطينيين والسوريين القادمين من سورية”. وبسبب الأوضاع القاسية التي عاشها اللاجئون الفلسطينيون من سورية إلى لبنان، عمد أكثرهم للهجرة إلى الخارج عبر الوسائل المتاحة وأكثرها بشكل غير شرعي. ولذا، انخفض عدد اللاجئين الفلسطينيين من القادمين من سورية إلى 31.000 في منتصف العام 2017، حسب أحدث إحصائيات لوكالة أونروا.
واللافت أن المدير العام للأمن العام اللبناني أصدر قرارا في أغسطس/ آب 2017، أعفي فيه الفلسطينيون الذين لم يعمدوا إلى تجديد إقامتهم من الرسوم المطلوبة، في مقابل حضورهم وتجديد إقامتهم في مراكز الأمن العام. ويعيد مختصون دوافع هذا القرار المؤقت إلى ارتباطه بالعمل الميداني الذي يهدف إلى الوصول إلى التعداد العام للاجئين الفلسطينيين في لبنان، والذي بدأت بإجرائه لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني التابعة لرئاسة الحكومة؛ وهو يهدف إلى معرفة العدد الفعلي للفلسطينيين المقيمين في لبنان، أكانوا في المخيمات أم في التجمعات، وبمختلف تصنيفاتهم، ومن بينهم الفلسطينيون اللاجئون إلى لبنان منذ 1948، والفلسطينيون فاقدو الأوراق الثبوتيه، وفلسطينيو سورية، وفلسطينيو غزة وغيرهم.
وفي المحصلة، من أهم تداعيات الأزمة في سورية، ما حل بالمخيمات الفلسطينية من تهجير ودمار. والأنكى أن الفلسطينيين لا يحظون بالمميزات نفسها التي ينالها أقرانهم من السوريين في حالات اللجوء إلى الخارج. ولذا، فان اللاجئين الباقين في سورية، كما الفارون منها إلى لبنان والأردن وغيرهما، بمن فيهم الذين نزحوا إلى مصر، وعددهم حوالي ستة آلاف في العام الذي تولى فيه الرئاسة محمد مرسي يعيشون أزمة غير مسبوقة، وفي موقف صعب ومعقد، ولا ينسجم مع مترتبات الحماية الدولية والإنسانية التي توفر لغيرهم من اللاجئين.
المصدر : العربي الجديد