مقالات

طارق متري – عن عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم

في مناوشات متكررة مع منظمة الأمم المتحدة، أصرّ وزير الخارجية اللبناني على إسقاط نعت «الطوعية» المضاف، عرفاً، الى «الآمنة» لدى الحديث عن عودة السوريين الذين هجّروا من بلادهم أو فرّوا منها. لم يحدّد الجهة التي تقرر متى تكون العودة آمنة، ولم نعرف منه كيف تتحقّق العودة إن كانت غير طوعية، أي قسرية.

غير أنه، وفي المدة الأخيرة، أكّد تكراراً أن مناطق واسعة في سورية باتت آمنة وأن العودة اليها ممكنة بل ضرورية. لكنه تجاهل الإقرار بأن إعادة السوريين القسرية ليست في متناوله، وأنها انتهاك لأبسط الحقوق الإنسانية.

زاد تشديده على العودة بعدما غيّر التدخل الروسي موازين القوى العسكرية في سورية، وأطلق عملية آستانا التفاوضية والمقتصرة على خفض التصعيد في مناطق محددة. ومال أصدقاؤه وبعض أنصار النظام السوري اللبنانيين الى اعتبار تلك المناطق، المحدودة العدد والحجم، بمثابة مناطق آمنة. وأسرعوا في دعوة لبنان الرسمي الى التفاوض مع النظام السوري في شأن عودة اللاجئين الى ديارهم. غير أن أحدهم لم يشر، لا تصريحاً ولا تلميحاً، الى استعداد حكّام دمشق لاستقبال من اضطروا للجوء الى لبنان في المناطق التي باتوا يسيطرون عليها مع حلفائهم.

أكثر من ذلك، لفّ الصمت اللبناني ما يعرفه السوريون، وسواهم من المعنيين، عن انعدام الرغبة لدى النظام في مجرد البحث الجاد في هذه المسألة.

وحين بادر وزير الخارجية اللبناني الى لقاء نظيره السوري، وضع اجتماعهما تحت علامة سعيه من أجل عودة السوريين الذين لجأوا الى لبنان، بخلاف منتقديه المتهمين بأنهم لا يريدون تلك العودة. لم يقل كلمة واحدة تعوّض عن صمت زميله أو تشي باتفاقهما على متابعة القضية التي تشغله.

كل ذلك يعني أن العودة مؤجلة مهما علت أصوات مستعجليها. ونجدنا أمام اصطناع توقعات لدى المتذمرين من ثقل الوجود السوري. ويبدو لنا أن هذا الاصطناع يؤول الى استثمار مزدوج، في العمل على التقرّب من النظام السوري بحجة تيسير العودة وفي توظيف المشاعر الحادة، بعد تأجيجها، والمخاوف، بعد تضخيمها، في حسابات السياسة المحلية. لكنه، ككل اصطناع، يجر الخيبة والمرارة ويزيد احتمالات الجنوح الى العنف.

صحيح أن لبنان يواجه مشكلات نتيجة اللجوء السوري لا مجال لإنكارها، وأن السياسات الوطنية والدولية قاصرة في معالجتها. لكنه صحيح أيضاً أن تعبئة اللبنانيين ضد السوريين، وتوسّل المبالغات في تعدادهم ووصف أحوالهم وإنزال العقوبات الجماعية بهم وتحويل المطالبة بعودتهم الى ما يشبه الدعوة الى ترحيلهم، سلوكيات غير أخلاقية تنذر بأخطار كبيرة. وهي لا تيسّر العودة الآمنة بل تلحق الأذى الكبير، المادي والمعنوي، باللبنانيين والسوريين معاً.

المصدر : الحياة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى