حسم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الشك باليقين، وأبلغنا، على لسان أحد زلمه، أن الذين يرفضون رئاسة الأسد لن يكون لهم مكان في مؤتمر سوتشي. بكلام أوضح: سيكون معيار قبول من سيدعون إلى سوتشي التخلي المسبق عن المطالبة برحيل الأسد باعتبار هذا الأمر، حسب وصفه، شعارا، وليس، حسب ثورتنا، حقا للسوريين، اعترف به العالم في وثائق رسمية، أقرّها مجلس الأمن بإجماع دوله الخمس، بما في ذلك روسيا. لن يشارك في سوتشي من يرفض قرار بوتين إبقاء “طرطوره” بشار الأسد رئيسا لنا إلى قرابة عشرين عاما مقبلة، فلا يقولن لنا أحدٌ، بعد الآن، إنه سيذهب إلى سوتشي ليطالب برحيل الطاغية، لأنه إذا كان من المطالبين حقا برحيله لن يدعى إليها، وإذا دعي سيعتبره السوريون موافقا على رئاسة بشار، وخائنا لشعبه وثورة هذا الشعب.
ـ يدّعي الروس أنهم يؤيدون قيام نظام “غير طائفي” في سورية. في الوقت نفسه، يعتبرون المحافظة على جيش الدولة الأسدية العميقة ومخابراتها لب المحافظة على الدولة السورية التي ادّعوا أنهم غزوا سورية لمنع إسقاطها الوشيك. هل يريد الروس لنا أن نصدّق أن النظام الذي سيحافظ على جهازين طائفيين، من رأسهما إلى أخمص قدميهما، سيكون نظاما “غير طائفي”؟ إذا كانت موسكو تؤيد حقا قيام نظامٍ كهذا، يكون عليها أن تكون في مقدمة مؤيدّي حل الجيش والمخابرات الأسديين، وبناء جيش وطني وجهاز أمن غير قمعي لسورية القادمة. أما أن تربط موسكو حلها ببقائهما على حالهما الراهنة، باعتبارهما الدولة التي على الثورة القبول بها، ثم تحدثنا عن النظام القادم باعتباره “غير طائفي”، فهذا مغالطةٌ تنم عن احتقارهم عقولنا، وثقتهم بأننا سذّج إلى حد نبتلع معه أي أكاذيب تقدّم لنا في سياق الضحك علينا والتلاعب بنا.
ـ لا يريد الروس الإبقاء على بشار وحده، بل هم يعتبرون جيشه ومخابراته الطائفيين أركان “النظام غير الطائفي” الذي علينا القبول المسبق به، قبل السماح لنا بالمشاركة في سوتشي، بما أن الدولة الأسدية العميقة تعتبر، في نظرهم، كيانا فوق تفاوضي، لا بد من فرضه سياسيا على السوريين، بعد أن تم إنقاذه عسكريا، يمنح من يسلم به شهادة سوتشية، تؤكد جدارته، لتوقيع صك الاستسلام الذي سيدعى إلى سوتشي للتوقيع عليه، فإن رفضه، أو رغب بمناقشته، سحبت موسكو جنسيته السورية، وحولته إلى حامل شعاراتٍ متشدّدة، لا يستحق أن يكون سوريا، أو أن يشارك في مناقشة قضايا وطنه.
ـ يكذب الروس كل من نشر أخبارا ملفقة عن علاقتهم بالأسد ونظامه، وصدّق أنه ليس خيارهم الاوحد في سورية، أو فسر بهلوانيات بوتين في قاعدة حميميم بطريقة تخمينية، يثبت كل ما يصدر من تصريحاتٍ عن أي مسؤول روسي إنها خاطئة. الأسد هو خيار الروس وأداتهم لتدمير الحل الدولي، ولفرض حلهم المناهض لما يمنحه للسوريين من حقوق، بينها رحيل قاتلهم، والمقاتل لإبقائه حاكما أبديا لشعبهم الذي يرفضه. تدوس موسكو على مليون شهيد، قدّمتهم الثورة للتخلص من السفاح، من دون ينجح أحد إلى اليوم في لي ذراعها، أو كسر إرادتها، أو يجبرها على وقف الدفاع عن حقوقها، ولن يجبرها الروس أيضا، حتى في حال وجدوا خونةً يوافقون على التخلي عن حقوق شعبهم، لن ينجو أحد منه بجلده، إن وافق على المشاركة في موتمرٍ هدفه المعلن تفريطهم بما ليس ملكهم: حق السوريين في الحياة الذي لا يحارب الروس سورية إلا من أجل انتهاكه، وحقهم في الحرية: عدو حكام موسكو التاريخي، في بلادهم وخارجها، الذي بنى بوتين استراتيجية كاملة على كسره، والتخلص من المطالبين به. خطوتها الأولى الاستيلاء على وطننا بموافقة بشار الأسد. والثانية استخدامه قاعدة عسكرية، ينتشرون منها إلى الوطن العربي خصوصا، والبلدان المجاورة بصورة عامة، بواسطة صفقاتٍ يعقدونها مع دول إقليمية، صرنا نحن السوريين مادة محاصصاتٍ بالنسبة لسياساتها. لم يبق من صداقتها المزعومة لنا غير السعي إلى مراضاة الكرملين على حسابنا، مقابل وعدٍ كاذبٍ بمساعدتهم على التحكّم بمشكلاتهم الداخلية.
ـ لا يحق لسوري بعد اليوم تبرير سلوكه بحقه في الخطأ، ما دام نجاح سوتشي يعني تسديد طعنةٍ تريدها روسيا قاتلةً لشعبه وثورته، وسيكون فشلها، في المقابل، طعنة قاتلة للحل الروسي، وفشلا لا يستهان به لكل ما عملوه ضدنا في العامين الماضيين. سيفتح من جديد باب الحل الدولي، في حال صوّبنا عملنا، وأعدنا النظر في ممارساتنا، وبنينا استراتيجيةً فاعلة حقا للدفاع عن حقوقنا المشروعة، ووفرنا مستلزمات الصمود الوطنية في وجه العواصف الحربية، التي سيطلقها الروس ضدنا.
المصدر : العربي الجديد