لم يكن شعب إيران بحاجة إلى من يحرّضه على الملالي، بعد أربعين عامًا من ظلمهم، وانفرادهم المطلق بحكمه، دأب الملالي خلالها على قول مكرّر: ليس ولا يمكن أن يكون هناك معارضة أو معارضون في إيران، بينما يقف شعبها كالبنيان المرصوص وراء مرشده، ويرفض أي نقد لنظامها الإسلامي الذي يسوسه بتعاليم دينية، لا يحيد مرشده قيد أنملة عنها، تشبّها برسول الإسلام الأمين محمد (ص). لا يستمع شعب إيران أيضا لأكاذيب استكبارية وصهيونية عن أوضاعه، لعلمه أنها نتاج حقد أعمى على ملاليه الذين يناصرون مستضعفي المنطقة في حربهم ضد الشيطان الأكبر والصهاينة، بعد أن وضعهم خط الإمام الخميني أمام مصيرٍ محتوم وانهيار وشيك.
في نظام إسلامي صرف، ركيزته ولاء المؤمنين للولي الفقيه نائب صاحب الزمان، ودولة تستند إلى نص الإسلام وروحه، يقودها أطهار عينهم على يومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون، لن تكون أية مظاهرات تشهدها مدن إيران من عمل الإيرانيين، ولا يحتاج الولي الفقيه، خامنئي، إلى تحقيقات قضائية أو بوليسية، ليعرف أن من يتظاهرون، منذ نيف وأسبوع، ينفذون “مؤامرة يستخدم فيها المال والسلاح والمخابرات”، حسب قوله دام ظله الشريف. ولو لم تكن كذلك، لحذا المتظاهرون حذوه في العراق وسورية ولبنان واليمن، البلدان العربية التي غزاها الحرس الثوري واحتلها، من دون سلاح أو مال أو مخابرات، فليس لدى نظام الملالي مخابرات ليرسلها، لا سمح الله، إلى أي مكان، كما لم يعد لديه مال فينفقه لإطعام شعبه، بعد أن وظف قرابة سبعمائة مليار دولار على برنامج نووي، هدفه الوحيد رفع رؤوس الإيرانيين عاليا، فما الضرر إن بقيت بطونهم خاوية، وأرسل المرشد ما بقي في حوزتهم من مالٍ قليل إلى مجاهدين في لبنان وسورية والعراق واليمن، لا تكفي مواردهم من تجارة المخدّرات ومن نهب بلدانهم لتمويل تنظيماتهم المجاهدة؟
ألا تثبت هذه الوقائع الدامغة أن المتظاهرين عملاء، كما وصفهم المرشد، ولو كانوا إيرانيين لاحتفلوا بانتصارات جمهوريتهم الإسلامية، ولخجلوا من المطالبة بوقف معاركها الظافرة التي وضعت أربع عواصم عربية في جيب مرشدها، وحولت “الشيعة”، حسب وصف أحد الملالي، إلى “أقلية استراتيجية، تمسك بمفاصل المنطقة وثرواتها”، وتثير الفوضى بين المسلمين السنة، حيثما وجدوا في طول المنطقة وعرضها، وتفتك بهم بكل ما أوتيت من رغبةٍ في بناء إميراطورية فارسية على جثثهم، فهل يمكن لغير عملاء الاستكبار والصهاينة تعطيل فتوحاتٍ كهذه، وتركيز اهتمامهم على أعراض الدنيا الزائلة من طعام وشراب.
المتظاهرون عملاء، كما قال الولي الفقيه، ولو كانوا وطنيين لما طالبوا بالعمل والرعاية الاجتماعية، وبتعطيل ما وصفه “الرئيس الإصلاحي”، حسن روحاني، “مشروعنا الوطني”، الذي ليس ولا يجوز أن يكون داخليا، هدفه إطعام شعب إيران وتشغيله وتعليمه ورعايته، بل يجب أن يكون محض خارجي، يحرّر البلدان المجاورة من شعوبها، ليمد المحور الشيعي من مزار الشريف في أفغانستان إلى جنوب لبنان، مرورا بالعراق وسورية، الدولتين اللتين كانتا عربيتين، وتوشك “بعثات الملالي” العسكرية العزلاء أن تحولهما ولايتين تابعتين للمرشد، بعد حوار أخوي دار نيفا وثلاثين عاما، أقنع حكومتيهما بالانضمام إلى “مشروع إيران الوطني”، ومن لم يقتنع من شعبيهما، وخصوصا في سورية، ساعده الحرس الثوري على مغادرة وطنه بكل حرية وامتنان، واللجوء إلى أقرب شجرة زيتون، من أجل نصب خيمته تحتها، فإن لم يكن عنده خيمه، استمتع وأطفاله بالنوم في العراء، بفوائده الصحية التي لا تخفى على أحد. قال”الرئيس الاصلاحي”: ليس هناك من خيار أمام الإيرانيين غير استمرار “المشروع الوطني”، أو قتلهم كخونة يفضلون ملء بطونهم الشرهة بالطعام على ملء حياة المرشد وحرسه الثوري بالأمجاد.
ثمّة أمر جلل، ظهر خلال مظاهرات العملاء، فقد طالبوا بتطبيق عدالة الإسلام على الملالي وعليهم. لو لم يكن المتظاهرون عملاء، لأدركوا أن ما طبّق عليهم كان عدالة الإسلام، ولو كانوا إيرانيين ومسلمين حقيقيين لرأوا عدالتنا وتجاهلوا فقرهم. أما أن يطالبونا بتطبيق عدالة الإسلام علينا نحن أيضا، فهذا تآمر يستهدف إجبارنا على التخلي عن “مشروعنا الوطني”، وسحب “حرسنا الأعزل” من البلدان الشقيقة، للسماح للإرهاب بقتل مسلميها، قبل تسليمها إلى الاستكبار العالمي والصهيونية، تمهيدا لتدمير إيران عبر فرض مفاهيم غريبة عن تاريخها عن احترام الإنسان وحقوقه والمواطنة المتساوية، وإعادة بناء نظامنا انطلاقا منها.
صدق حسن روحاني: لا مكان للشعب الإيراني في مشروع المرشد الوطني، ولو كان له مكان وأنفقت عليه بعض ملياراته، لما عانى من حرمان تفاقم إلى حد الجوع والتمرّد. في المقابل، ليس ولن يكون هناك أي مكان لخامنئي وروحاني ونظامهما في “مشروع شعب إيران” الذي نزل إلى الشوارع، رافضا ظلم الملالي السلطوي واستكبارهم وفسادهم، ومطالبا، بعفوية الصدق وحب الوطن النزيه، بما يطالب به شقيقه السوري: الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية. هذا هو مشروع شعب إيران: مشروعنا الذي فيه انتصار جميع شعوب المنطقة على الظلمة والطغاة، إلى أية جنسية أو أيديولوجيا انتموا.
المصدر : العربي الجديد