لا شيء يُنتظر من القمة العربية المنعقدة في مدينة الظهران في المملكة العربية السعودية، وذلك في ما يتعلق بملفات المنطقة وأزماتها. وقد عُقدت القمة ليس لشيء سوى أنها باتت أمراً “روتينيا” وتقليداً سنوياً من أجل ذر الرماد في العيون. بل على العكس، فإن انعقاد القمة الحالية في ظل حالة الخصام والجفاء التي تخيم على علاقات دولها بعضها ببعض، كما هي الحال في الأزمة الخليجية، هو دليل جديد على أن القمة فقدت مغزاها وجدواها.
قطعاً ليست هذه هي المرة الأولى التي تُعقد فيها القمة العربية في مثل هذه الأجواء الصراعية والانقسامية، فقد أصبحت هذه هي العادة طوال العقدين الأخيرين. ولنتذكر كيف أن القمم العربية السابقة كانت تتحول إلى ساحة من الشد والجذب والتلاسن بين بعض الزعماء العرب، كما كانت هي الحال بين الراحليْن العقيد الليبي معمر القذافي وملك السعودية عبدالله بن عبد العزيز، وغيرها من المواقف التي كانت تكشف وهن الحال العربية.
ولكن هذه المرة تبدو الأمور أكثر رداءة وانكساراً، فالبيت الخليجي منقسم على ذاته، ليس فقط سياسياً واستراتيجياً، وإنما أيضا اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا، منذ بدء الحصار على دولة قطر قبل حوالي عام. وقد فشلت كل محاولات الوساطة، سواء الخليجية أو الدولية بسبب تعنت بعض قادة دول الحصار وإصرارهم على استمرار الأزمة، على الرغم من قبول الدوحة بالحوار واستعدادها للجلوس على طاولة مفاوضاتٍ لا تنتقص من سيادتها وسيادة شعبها. ويزداد من رداءة الموقف أن القمة العربية تعقد هذا العام في العربية السعودية التي تعتبر قلب الخليج، والأخت الكبرى لدوله وشعوبه، والتي كانت حريصةً على لملمة البيت الخليجي والحفاظ على وحدته طوال العقود الماضية، قبل أن تحدث التحولات الدراماتيكية في بيت الحكم السعودي، وما تبعها من تحولات وتبدلات في السياسات الداخلية والخارجية، أفضت إلى ما نحن عليه الآن.
وفي ما يخص الملفات الحاضرة على طاولة الزعماء العرب، فهي تكاد تكون نفسها التي كانت حاضرة العام الماضي، وهي: الأزمة السورية، والقضية الفلسطينية، والدور الإيراني في المنطقة العربية. فالأزمة السورية وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة من التدهور والتراجع، إلى الحد الذي لم يعد يبالي فيه نظام بشار الأسد باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد آلاف المدنيين، كما حدث قبل عشرة أيام في مدينة دوما في ريف دمشق، وما لحق ذلك من ضربات عسكرية محدودة وجهتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لبعض المواقع والمختبرات السورية من دون أن تفضي إلى تغيير حقيقي في موازين القوى على الأرض، وأغلب الظن أن الأسد لن يرتدع، وسوف يلجأ إلى الأسلحة الكيميائية مرة أخرى. في حين اندلعت مظاهرات “العودة الكبرى” السلمية في الأراضي الفلسطينية، واستشهاد وإصابة عشرات الفلسطينيين بفعل رصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي. ولا تزال الصواريخ الإيرانية تصل إلى الرياض، عبر وكيلها الحوثي في اليمن. أي أن الأوضاع العربية قد انتقلت من سيئ إلى أسوأ خلال العام المنصرم.
وعلى الرغم مما سبق، لا يُتوقع أن يكون التعاطي مع الملفات السابقة مختلفاً كثيراً عن المرات السابقة. صحيح أن ثمّة تبدلات وتحولات قد طرأت على هذه الملفات خلال العام الماضي، خصوصا القضية الفلسطينية التي باتت في مهب الريح بسبب “صفقة القرن”، والتحول في العلاقات بين السعودية وإسرائيل، إلا أنه لا يتوقع أن يصدر عن القمة العربية جديد أو جدّي يتوازى مع التحديات الراهنة التي تواجه المنطقة العربية. والغريب أنه على الرغم من وجود اتفاق بين معظم الدول العربية بشأن ملفي سورية وإيران، فقد أصبح ملف فلسطين مثاراً للخلاف بين هذه الدول، بسبب هرولة بعضهم باتجاه التطبيع المجاني مع إسرائيل.
ومن سوء الحظ أن ملف الأزمة الخليجية ليس حاضراً على أجندة القمة الحالية، وهو ما يعني استمرار الأزمة حتى حين. وهي المرة الأولى التي تُعقد فيها القمة العربية، والحال بين دول الخليج على هذا النحو من التشظي والانقسام، خصوصا بعدما حدث في قمة الكويت الخليجية التي عقدت في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ولم يحضرها قادة دول الحصار، واكتفوا بمستوى تمثيلي منخفض.
نعلم أن جامعة الدول العربية قد وصلت إلى مرحلة “الموت الإكلينيكي” منذ أمد، ونعلم أيضا أن كل عام يمر على الأمة العربية يزداد سوءاً عن سابقه، ولكن “تشييع” الجامعة إلى مثواها الأخير لا يبدو قريباً. وكأنما ثمة اتفاق ضمني بين القادة والزعماء العرب على أن تظل هذه الجامعة كياناً مشلولاً، لا هو حيّ ولا هو ميّت.
المصدر : العربي الجديد