مقالات

مروان قبلان – حسابات ترامب وخصومه

بعدما حصل على فريق السياستين الخارجية والأمنية الذي قال “إنه كان يريده منذ البداية”، ممثلاً بتعيين مايك بومبيو وزيراً للخارجية، وجون بولتون مستشاراً للأمن القومي، بدا وكأن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في سباقٍ مع الزمن لتحقيق نتائج في قضايا السياسة الخارجية الأكثر تحدياً بالنسبة إليه، أي كوريا الشمالية وإيران، قبل موعد الانتخابات النصفية للكونغرس في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، عسى أن يساعد هذا في تجنب خسارةٍ كبرى للجمهوريين تؤثر في مستقبل الرئيس، وربما بقاءه في منصبه، آخذاً بعين الاعتبار جملة الفضائح التي تهدّده، وعزم الديمقراطيين استثمارها لبدء إجراءات عزله.

صيغة الاستعجال لتحقيق نتائج في هذين الملفين، أو في أحدهما على الأقل، بدت واضحةً في المهمة السرية التي قام بها بومبيو إلى كوريا الشمالية، حتى قبل التصديق على تعيينه وزيراً للخارجية، وذلك تحضيراً للقاء القمة المرتقب بين ترامب وكيم جونغ أون، ثم في توجهه إلى الشرق الأوسط في أول مهمةٍ خارجية له بعد تسلمه منصبه الجديد لإبلاغ الحلفاء، على ما يبدو، بقرار ترامب المرتقب بخصوص الاتفاق النووي الإيراني، وما يليه من خطوات.

وعلى الرغم من اختلاف مقاربته في التعامل مع كوريا الشمالية وإيران، إذ يسعى للقاء قمة مع الأولى، فيما يتبع الإملاء مع الثانية، ويوجه الضربات لها في سورية، إما مباشرة، أو عبر حليفته إسرائيل، مع ذلك، تقوم استراتيجية ترامب في الحالتين على ممارسة أقصى قدرٍ من الضغط على الخصم، بغرض ترويعه ودفعه إلى الاستسلام، مع حرمانه القدرة على توقع حركته التالية. لكن هذه الاستراتيجية، وبمقدار ما تربك الخصم، وقد تشلّ أحياناً حركته وتفكيره، إلا أن حجم المخاطرة فيها كبير أيضاً، لأن الخصم إذا ما استوعب الصدمة وقاوم، فإنه لا يترك أمام الطرف المهاجم خياراً آخر إلا استخدام القوة، أو الفشل الذريع. وإذا أخذنا بالاعتبار أن التنازلات التي يطلبها ترامب من كوريا الشمالية وإيران هي مجازياً تنازلاتٌ انتحارية، يبدو أن إدارته تقدم على مغامرة كبرى في الملفين، إلا إذا كانت لديه فعلاً النية لاستخدام القوة العسكرية إذا فشلت الدبلوماسية، وإلا فإن ترامب هو من ينتحر سياسياً بهذا المعنى.

بالنسبة إلى كوريا الشمالية، المطلوب منها ببساطة التخلي عن سلاحها النووي في مقابل الاعتراف بنظامها وادماجها في المجتمع الدولي، لكن هذ المطلب يبدو للكوريين الشماليين مشهداً مألوفًا (déjà vu)، بالنظر إلى مصير الأنظمة التي وافقت على التخلي عن برامج أسلحة الدمار الشامل التي كانت تمتلكها، وانتهى الأمر بإطاحتها من العراق إلى ليبيا. المثال الناجح الوحيد فيما يخص نزع السلاح النووي كان جنوب أفريقيا، لكن هذا المثال لا يعتدّ به لأن جنوب أفريقيا كانت حليفاً للغرب، وليست خصماً له، عندما تخلت عن سلاحها النووي عام 1989.

أما إيران فالمطلوب منها أن تتخلى عن برامجها الصاروخية، أي سلاح الردع التقليدي الوحيد الذي تمتلكه، أخذاً بالاعتبار الضعف البنيوي لقواتها التقليدية. لذلك تجدها تعتمد اعتماداً مطلقاً في تحقيق طموحاتها الإقليمية على أدوات الحرب اللامتناظرة، مثل استخدام المليشيات، وإحداث الفوضى، وإشاعة عدم الاستقرار، ومشاغلة الخصم في ساحات مختلفة. كما يطلب إليها أن تتخلى عن ساحات نفوذها الإقليمي في سورية واليمن، وربما في العراق أيضاً.

لكن إيران منذ بدأت تتبنّى عقيدة الحرب الإسرائيلية، بعد انتهاء الحرب مع العراق عام 1988، في ألا تسمح بوقوع الحرب مرة أخرى على أراضيها، ومنازلة خصومها بالوكالة، وفي ساحاتٍ بعيدة عنها، في غير وارد الإذعان، خصوصاً وأنها وافقت على مقايضة برنامجها النووي بنفوذها الإقليمي لأهميته اليها.

السيناريو المرجح الآن هو أن تحاول إيران استيعاب قرار ترامب المرتقب في الانسحاب من الاتفاق النووي، ومحاولة كسب الوقت حتى موعد الانتخابات النصفية، لكن ترامب يسابق على الخط نفسه لدفع إيران إلى الاستسلام قبل ذلك، ما يفسّر حالة الاستعجال التي تتحرّك بها إدارته في هذا الملف، ما يعني أن الطرفين سوف يصلان سريعاً إلى طريق مسدود، لن تفتح فيه ثغرة الا عملية عسكرية، يرجح أن تكون سورية ساحةً لها، على ما تدل تطورات الأوضاع فيها.

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى