مقالات

بشير البكر – نكبة فلسطين ونكبات العرب

نكبة فلسطين بلغت عمرها السبعين منذ أيام قليلة. مرّت ذكراها وسط هبةٍ كبيرةٍ، بدأت بمسيرات العودة التي قام بها الفلسطينيون في قطاع غزة أيام الجمعة منذ 30 مارس/ آذار الماضي، وكانت الذروة يوم الاثنين الذي سقط فيه أكثر من 60 شهيدا وقرابة ألفي جريح، وتزامن ذلك مع حدثٍ ذي رمزيةٍ عالية، وفاقع في الشكل والمضمون، تمثل باحتفال نقل السفارة الأميركية إلى القدس.

وكانت الرسالة من الهبّة الفسطينية التأكيد للعالم، في الذكرى السبعين للنكبة، أن الشعب الفلسطيني يرفض الظلم التاريخي الذي لحق به، وسيظل على ما درج عليه طوال عقود النكبة يواجه بجدارة شروط تصفية قضيته، ولن ينكسر على الرغم من التغيرات الإقليمية والدولية التي لم تلعب في أي وقت من الأوقات لصالحه، بل كانت تعمل ضده، وخصوصا انحياز الولايات المتحدة التي وقفت إلى جانب اسرائيل، وأمدّتها بكل وسائل التفوق، في وقتٍ عطلت فيه كل إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة، وجاء موقف إدارة الرئيس دونالد ترامب ليشكل نقلة جديدة في الموقف الأميركي، أكثر عدوانيةً وتنكّرا للحق الفلسطيني من كل الإدارات السابقة.

واجهت القضية الفلسطينية محاولات العرب إجهاضها وتصفيتها منذ تأسيس منظمة التحرير وانطلاق العمل الفدائي، وكانت زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى القدس الضربة القاصمة التي طعنت شعب فلسطين في الصميم، وأّسست للتنازلات التي جاءت بعد ذلك، بما فيها اجتياح لبنان عام 1982 وإخراج الثورة الفلسطينية من هناك، وما تم طرحه أخيرا تحت مسمى صفقة القرن غير بعيد في المضمون عن خطوة السادات، مع تعديل في الشكل، والخلاف هو أن المروّج الأساسي للصفقة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يلعب من تحت الطاولة، في حين لعب السادات على المكشوف.

يفتح احتفال نقل السفارة الأميركية إلى القدس صفحة جديدة في دفتر النكبة، ويشكل مرحلة سياسية مختلفة، تقوم على تبنّي الولايات المتحدة الرؤية الإسرائيلية لعملية السلام التي تقوم على تصفية حقوق الشعب الفلسطيني، ويعني ذلك تدمير عملية أوسلو، ودفن مشروع قيام الدولة الفلسطينية على جزءٍ من الضفة الغربية وغزة، وتعتمد اسرائيل في المقام الأول على ظرف عربي يتيح لها التصرف على هذا النحو، وكما ساعدتها زيارة السادات على تجاوز الحل الشامل للصراع العربي الاسرائيلي، والاكتفاء بالحل مع مصر، ورفض تطبيق قرارات الأمم المتحدة بإعادة الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة، فإن الوضع العربي الرديء والموقف السعودي المصري الإماراتي من صفقة القرن يوفر لإسرائيل المناخ المثالي للقفز فوق الحل.

ارتبطت نكبة فلسطين بالتخاذل العربي، وتحوّلت القضية، على مر العقود الماضية، إلى مزاد للمتاجرة بها، والتكسّب السياسي على ظهرها، وامتهنتها الأنظمة التي حكمت المنطقة العربية، ووظفتها من أجل حماية العروش وحكم الجيوش الذي خرّب العالم العربي، ودمر أجيالا بأكملها في بلدان عربية عديدة، مثل مصر وسورية والعراق وليبيا، لكن النكبة العربية لا تقف عند حكم الدكتاتوريات العسكرية والحزبية فقط، ولا يقتصر التخريب على العسكر، بل ينسحب إلى بعض الحكام الجدد في الخليج، مثل ولي عهد السعودية محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.

يعمل المحمدان على التطبيع مع إسرائيل، وتشكيل قوة ضغط على الطرف الفلسطيني من أجل تقديم تنازلاتٍ في ما يخص خطط نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية. وفي الوقت ذاته، يشكلان محورا عربيا للثورة المضادّة التي بدأت في مصر مع انقلاب عبد الفتاح السيسي في يوليو/ تموز 2013 على الحكم الشرعي المنتخب، وكرّسا كل الجهود لمحاصرة كل موقف أو وجهة نظر مختلفة، فتم التخلي عن دعم الثورة السورية وتمت محاصرة قطر، وكذلك قمع الرأي المختلف.

نكبة فلسطين مستمرة في نكبات العرب، وصدق من قال ذات مرة بضرورة حلٍّ فلسطيني للقضية العربية.

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى