لم يخسر العدالة والتنمية أي منافسة انتخابية منذ تأسيسه في 2001 والانتخابات الأولى التي خاضها في 2002، وحتى الآن، ولن تكون الانتخابات المقبلة استثناءً في ذلك، حيث سيتقدم الحزب مرة أخرى الأحزاب الأخرى في الانتخابات البرلمانية/ التشريعية وفق التوقعات. لكن خصوصية هذه الانتخابات وأهميتها وبعض التفاصيل الأخرى تضع أمامه تحديات حقيقية هذه المرة، وهي تحديات قد تحرمه أغلبية البرلمان رغم قطعية حصوله على المركز الأول، وأهمها:
أولاً، يحكم العدالة والتنمية منفرداً وبشكل متواصل منذ 16 عاماً. وكما عادة الأحزاب التي تحكم طويلاً، يعاني العدالة والتنمية من الترهل والتكاسل (ذكر ذلك أردوغان مراراً، قبل أن يقول إن الحزب عالج ذلك) من جهة، وصعوبة إقناع الناخبين بالوعود الانتخابية من جهة أخرى، خصوصاً فئة الشباب الذين لا يعرفون تركيا ما قبل العدالة والتنمية. تركز أحزاب المعارضة، خصوصاً الشعب الجمهوري، على هذه الفكرة وتدعو للتغيير وتطرح نفسها بديلاً، من باب أن كل وعد انتخابي للعدالة والتنمية هو أمر فشل في تحقيقه أو إنجازه أو علاجه على مدى 16 عاماً.
ثانياً، كان الحزب يستفيد من قانون “العتبة الانتخابية” الذي يمنع الأحزاب التي تفشل في الحصول على 10 في المئة من أصوات الناخبين من دخول البرلمان ويوزع أصواتها على الأحزاب الأخرى. اليوم، ومع شمول هذا القانون للتحالفات الانتخابية، ستكون الأصوات المُهْدَرة التي كان يستفيد منها بالحد الأدنى، ما سيفقد الحزب – وغيره ولكن بنسب أقل – بعض مقاعد البرلمان.
ثالثاً، سيخسر الحزب في الأغلب أصوات بعض أنصار الأحزاب الإسلامية والمحافظة والقومية الصغيرة، الذين كانوا يصوتون له بدل هدر أصواتهم، باعتبار أن أحزابهم تشارك هذه المرة بفعالية ولها فرصة لدخول البرلمان من خلال التحالفات الانتخابية (حزب السعادة نموذجاً).
رابعاً، الحزب الجيد/ الصالح الذي انشق عن حزب الحركة القومية يملك جذوراً وهوية قومية، ولكنه يحاول أن يقدم نفسه على أنه ممثل “يمين الوسط” وأنه حزب جماهيري لكل تركيا، وليس حزباً مؤدلجاً لفئة بعينها، تماماً كما فعل العدالة والتنمية لدى تأسيسه. وبالتالي، يمكن للحزب الجيد اجتذاب بعض الأصوات التي تذهب في العادة للعدالة والتنمية، وإن كان تأثيره محدوداً.
في العدالة والتنمية ثمة كتلة متحفظة لعدة أسباب، وإن كانت صامتة وغير معروفة الحجم والتأثير، وقد عبَّرت عن ذلك بالتصويت برفض الاستفتاء الشعبي على التعديل الدستوري
خامساً، في العدالة والتنمية ثمة كتلة متحفظة لعدة أسباب، وإن كانت صامتة وغير معروفة الحجم والتأثير، وقد عبَّرت عن ذلك بالتصويت برفض الاستفتاء الشعبي على التعديل الدستوري بخصوص النظام الرئاسي العام الفائت، ومن المتوقع أن توصل “رسالة” تحفظ أو عتب في الانتخابات البرلمانية تحديداً.
سادساً، يعاني حليف العدالة والتنمية، الحركة القومية، من أزمات متلاحقة ومتفاقمة، ويبدو أن انشقاق الحزب الجيد عنه قد أفقده الكثير من الأصوات، قد تصل النصف وفق بعض استطلاعات الرأي، ما يحد من فرص فوز تحالف الشعب بأغلبية مريحة في البرلمان كما كان متوقعاً قبل أشهر.
يعني كل ما سبق أن نسبة التصويت للعدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة ستكون حكماً أقل من آخر انتخابات في 2015 (49.5 في المئة)، ولم تعطه أي شركة استطلاع رأي حتى كتابة هذه السطور أكثر من 45 في المئة من الأصوات في أحسن الأحوال. وبالتالي، فمن الصعب جداً عليه الحصول على أغلبية البرلمان بمفرده، كما أن حصوله عليها مع حليفه الحركة القومية ليس مضموناً أيضاً.
يضيف ذلك للتحديات السابقة تحديين اثنين إضافيين، قد يتبلوران بعد الانتخابات:
1- فإن فاز تحالف الشعب بأغلبية البرلمان، كما هو مرجَّح، سيكون العدالة والتنمية مضطراً لإرضاء حليفه الحركة القومية أكثر مما يفعل حالياً.
2- وإن حصلت المعارضة على أغلبية البرلمان، سيكون مضطراً للتوافق معها على بعض الأمور وتقديم بعض التنازلات كي تسير عجلة الدولة ولا يضع البرلمان العصي في دواليب الرئاسة.
وفي كل الأحوال، ستكون المعارضة أقوى في البرلمان المقبل عما هي عليه في الحالي، رغم أنه من غير المضمون بقاؤها موحدة بعد الانتخابات، وهي فائدة للحياة السياسية التركية وللعدالة والتنمية أيضاً على المدى البعيد. أما على المدى القريب، فيزيد ذلك من تعقيدات المشهد الانتخابي، ويطرح خريطة مختلفة للبرلمان المقبل، ويضيف لتحديات العدالة والتنمية في هذه الانتخابات الحاسمة والفارقة في تاريخ تركيا الحديث.
المصدر : عربي 21