مقالات

عبسي سميسم: هكذا اغتالوا ثورة “أطفال درعا”

انعكست التطورات الميدانية في سورية، والتي تمثلت في تعاظم نفوذ تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وتشكيل حلف دولي لمحاربته، واستعادة النظام السوري بعض قوته، وإضعاف الثورة السورية، على التطورات السياسية؛ إذ ساهم بذلك في إضعاف المعارضة السياسية وتشرذمها، وإفشال أي جهود للحل السياسي في سورية، فيما تحولت أولويات المجتمع الدولي في سورية باتجاه محاربة الإرهاب، والتخلي عن أولوية إسقاط نظام بشار الأسد، لينتهي عام 2014 مع دخول روسيا على خط المبادرات لحل سياسي في سورية.

وشهد العام المنصرم مزيداً من التراجع في فعالية المعارضة السورية، داخلياً وخارجياً؛ فعلى الصعيد الداخلي، لم يتمكن “الائتلاف السوري” المعارض من تطبيق خطته بالتوجه نحو الداخل والتنسيق مع فعالياته. بل على العكس، كانت هناك ردود فعل من فعاليات الداخل المدنية والعسكرية على أداء الائتلاف، وصلت إلى حدّ التبرؤ منه، فتم تشكيل جسم جديد تحت اسم “مجلس قيادة الثورة” في الربع الأخير من العام المنصرم، يعتمد على الفصائل المسلحة والفعاليات المدنية فيه، هدفه غير المعلن تشكيل جسم سياسي وعسكري بديل للائتلاف.

كما شهد الائتلاف الوطني صراعات وخلافات بين مكوناته، كتلاً سياسية وأفراداً، مردّه ارتباط كل منهم بولاء إلى إحدى الدول الداعمة. وأدت هذه الارتباطات إلى عدم قدرة الائتلاف على اتخاذ قرارات مصيرية، وإلى تعطيل تشكيل الحكومة المؤقتة. كما أدت إلى توقف الدعم للائتلاف من قبل بعض الدول. كما انعكست تلك الخلافات على أداء الائتلاف في المحافل الدولية، إذ لم يتمكن من تسويق نفسه دولياً كبديل للنظام يمتلك المقومات الدنيا لإدارة المرحلة المقبلة، كما ساهم أداؤه الهزيل في فشل مؤتمر جنيف 2.

التخلي عن إسقاط الأسد
في المقابل، تمكّن النظام السوري في عام 2014 من استعادة بعض عوامل القوة التي فقدها في العامين اللذين سبقاه، مستفيداً من التغير الملحوظ في مواقف معظم الدول الغربية منه، بعد موافقته على تدمير ترسانته من الأسلحة الكيماوية عام 2013. إذ تعاملت معظم الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، مع الموضوع وكأنه نهاية الأزمة مع النظام السوري، فتم السكوت عن الانتخابات الرئاسية التي أجراها بشار الأسد في يوليو/تموز 2014 والتي تم من خلالها إعادة تجديد ولايته كرئيس منتخب، من خلال مسرحية لم يتخذ أي موقف جدي منها من قبل الدول التي تدعم الثورة.

وتمكن النظام السوري، من خلال عوامل القوة التي استعادها، من إفشال مؤتمر جنيف2، والتملص من فكرة هيئة الحكم الانتقالي، ليطرح فكرة محاربة الإرهاب كأولوية، والتي دعمها التوجه الغربي بعد تشكيل التحالف الدولي. واستفاد النظام من تعاظم نفوذ تنظيم “داعش” في شرق سورية، وإعلانه “الخلافة”، لتصبح محاربة “داعش” أولوية على إسقاطه لدى معظم الدول، حتى إن بوادر تنسيق غير معلن ظهرت بين التحالف الدولي والنظام من خلال تنسيق الضربات على مناطق سيطرة (داعش).

وأدى إعلان “الخلافة الإسلامية” في كل من سورية والعراق من قبل تنظيم “داعش” إلى تغيير سياسة واشنطن تجاه سورية القائمة على عدم التدخل المباشر، باتجاه تشكيل حلف دولي للتدخل المباشر في سورية، ولكن لمحاربة الإرهاب، مع استبعاد إسقاط النظام، أو إدراجه كأولوية، وتخفيف التصريحات الأميركية عن عدم شرعية نظام الأسد.

وأدت سياسة الولايات المتحدة في سورية عام 2014 إلى تنامي شعبية وقوة التنظيمات السلفية، وفي مقدّمتها تنظيما “داعش” و”جبهة النصرة”، إذ تمكّن التنظيم من التكيف مع الضربات الأميركية، وإظهاره كقوة هائلة لا تقهر. كما أدّت ضربات التحالف على مواقع “جبهة النصرة” في مناطق سيطرة المعارضة إلى التعاطف معها، وزيادة شعبيتها، وانضمام عدد من الفصائل المسلحة إليها. كما دفعتها باتجاه محاربة فصائل المعارضة المسلحة المصنفة أميركياً كقوى معتدلة، والاستيلاء على أسلحتها، وعلى مناطق نفوذ لها لأول مرة، ابتداء من جبل الزاوية. ومع سيطرتها على معسكري وادي الضيف والحامدية جنوب إدلب، فتحت الأبواب أمام الجبهة للسيطرة على ريفي إدلب وحماة بالكامل.

إيران تدير الصراع
وبرزت إيران كمحرك أساسي للنظام السوري، وإدارة الصراع نيابة عن النظام على المستويين الداخلي والخارجي؛ إذ أدارت إيران داخلياً العمليات العسكرية ضد قوات المعارضة. كما أشرفت بشكل مباشر على التخطيط والتنفيذ لعمليات الهدن مع بعض المناطق السورية من خلال المشاركة في حصارها، ومن ثم إبرام هدن معها بشروط تساهم في تقوية موقف النظام. وعلى الصعيد الخارجي، تسعى إيران إلى استثمار التقارب الذي حصل بينها وبين الولايات المتحدة، في دعم موقف النظام السوري، بهدف تأهيله للدخول كشريك في محارب الإرهاب مع التحالف الدولي.

روسيا من شريك للقاتل إلى وسيط
وفي الشهرين الأخيرين من العام المنصرم دخلت روسيا على خط الأزمة السورية لتسوق نفسها كوسيط بين المعارضة والنظام، بعدما كانت شريكاً للنظام طوال فترة الثورة السورية. وبدأت القيام بجولات مكوكية بين أطراف المعارضة والنظام، بهدف طرح مبادرة لحل سياسي تقوم على الشراكة بين أطراف من المعارضة والنظام. ويرجع المراقبون أسباب هذا التوجه الروسي إلى تخوف الروس من التقارب الأميركي الإيراني، وسعي روسيا لأخذ دور يحقق مصالحها في سورية في المستقبل.

وعلى صعيد الأمم المتحدة، شهد عام 2014 استقالة المبعوث الأممي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي، بعد فشل مهمته فيها وتعيين ستيفان دي مستورا كبديل له. وتقدم الأخير بمبادرة لتجميد القتال في حلب كحل إجرائي تمهيداً لحل سياسي. وقد لاقت هذه المبادرة ترحيباً دولياً، مع بعض التحفظات. كما لاقت موافقة من قبل كل من النظام والمعارضة مع شروط متباينة تجعل من تطبيقها أمراً مستحيلاً، فيما تبنتها روسيا، التي يرجح أن تعتمد عليها كنقطة انطلاق لمبادرتها لحل سياسي في سورية.

 العربي الجديد – وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى