مقالات

سامح راشد : الطريق إلى سورية والعراق

منذ عام ونصف، تحذر السلطة الحاكمة في مصر بشدة من مصير سورية والعراق. لتمرير واقع ما بعد 3 يوليو/تموز 2013 وتثبيته. وكلما تدهور الوضع في مصر، وتململ المصريون، أو حاول بعضهم رفع الصوت، ولو بالشكوى لا بالاعتراض، زادت حدة التحذير وغلظة الرسالة، حتى باتت أقرب إلى تهديد بضرورة تقبل الواقع السيء، حتى وإن صار أسوأ، ليس فقط “لا لا”، وإنما “وإلا” يكون المصير سوريّاً أو عراقيّاً.

يصادر هذا الطرح حق المواطن في الاعتراض، بل ومجرد المناقشة، ولم يفكر أحد في تفكيكه، أو التفكير فيه، ولو للاقتناع بحيثياته. فأصبحت الحرب في الشام، أو الانقسام والتفكك في بلاد الرافدين، فزاعة تعمي الأعين عن النظر في كيفية الوصول إلى هذا الوضع في سورية أو العراق، وهو، بالمناسبة، ليس أسوأ كثيراً عن الحال في اليمن أو ليبيا. في سورية والعراق، جرى استخدام القوة المسلحة للحيلولة دون سقوط نظام، ومنع تغيير تحرك الشعب لتحقيقه. فقد شهد العالم احتفاظ الثورة السورية بسلميتها أشهراً، واجه النظام خلالها المتظاهرين بالرصاص، وهو، في الوقت نفسه، يتهمهم بالإرهاب. وفي العراق، كان المالكي، وقبله الجعفري، يستخدمان المصطلح نفسه (الإرهاب) لتبرير الإقصاء والتهميش والاعتقالات والسكوت عن مجازر مذهبية، في حق السنة العراقيين. ثم وُصمت ثورة الأنبار، أيضاً، بالإرهاب، حتى قبل أن يظهر تنظيم “داعش” في المشهد. وهكذا في الدولتين، كان الإرهاب الاتهام الجاهز ضد أي رغبة شعبية في التغيير، أو أي اعتراض على إرادة السلطة الحاكمة. وفي الدولتين أيضاً، بدأ الطريق إلى الوضع الراهن المتردّي، باستخدام القوة والقمع ضد المواطنين، باعتبار أن مجرد النزول إلى الشارع “إرهاب” يجب القضاء عليه. وأي دعوة للإصلاح، أو حتى للتريث، خيانة عظمى. في وقت لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، حيث تتعرض البلد لمؤامرة من أعداء الداخل والخارج، و”في حالة حرب”. إصرار السلطة على مواجهة أي تحرك سلمي بالقوة الساحقة سبب ما آلت إليه الأوضاع في سورية والعراق. ولم يكن لجوء السوريين والعراقيين إلى السلاح إلا دفاعاً عن النفس، أمام قوة باطشة. فالاستمرار في العنف الشديد، غير المبرر، تجاه مدنيين عُزّل، كان دفعاً متعمَّداً نحو عسكرة الاحتجاجات السلمية، وتحويلها إلى مقاومة مسلحة، حتى يمكن تبرير إلصاق تهمة “الإرهاب” بها. المعضلة في سورية والعراق واليمن وليبيا هي نفسها في مصر، وفي كل دولةٍ، لا تنعم بحرية رأي، وحد أدنى من حقوق الإنسان والخدمات الأساسية، لا الحقوق السياسية. الإرهاب لا يولد فجأة، والعنف دائماً ليس بلا هدف. وفي الدول المذكورة، المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا تحلها القوة والبطش. بل تزيدها تعقيداً وتحولها إلى شقاق مجتمعي. والمسؤولية تقع، بالضرورة، على من يحكم، ويمسك بزمام السلطة، ليس على من خرج من السلطة أو أخرج منها. وتجزم تجارب التاريخ أن القوة المسلحة ليست حلاً لأزمات، أو علاجاً لمشكلات شعب أو وطن، حتى وإن كان يواجه إرهاباً فعلياً، وليس مفترضاً أو مفتعلاً. فعندما تعقم السياسة ويغيب الحوار، يكون الخلل في لاعبي السياسة وأطراف الحوار، وليس في المبدأ أو المنهج. ولا يكون الحل بالهروب من السياسة إلى السلاح. حيث التمسك بالعنف أداة وحيدة لردع المعارضة، ولو كانت من داخل الطيف الموالي، وإسكات أي صوت مغاير، وإن كان سياسيّاً مسالماً، سيفضي بالضرورة، ولو بعد حين، إلى عسكرة المشهد وتحويل الوطن إلى ساحة قتال، يخوض فيها الكل حرباً ضد الكل. وعندها سيتكشف، بعد فوات الأوان، أن معول هدم الدولة هو نفسه ما يفترض أنه أداة الحفاظ عليها. القوة لردع احتلال وحماية الحدود والوجود، والسلاح ليس أداة سياسة، ولا به تحكم الشعوب، أو تنصلح أوطان.

العربي الجديد _ وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى