في «رحلة بالداسار» يجوب بطل أمين معلوف المدن، ويركب البحار الهائجة، ويطارد، وهو تاجر الكتب القديمة والتحف، نسخة مفقودة من كتاب طلسمي اسمه «سنة المائة» يحدد يوم القيامة في يوم من عام 1666.
تدور الرواية في صيغة مفكرة يدوِّنها بالداسار عن يوميات الترحُّل خلف المخطوطة المكتوبة بالعربية، فنرى أنه تزوج في قبرص، وما لبث أن ترمَّل، لأن زوجته ماتت غما لأنها لا تحبه. وسوف يتزوج فيما بعد بابنة أحد تجار جنوى الكبار. ونعرف أن بالداسار جنوي مشرقي هو أيضا، لكن عائلته هاجرت إلى جبيل.
سحر الرواية عند أمين معلوف في التفاصيل. اليوم في الرواية كاليوم في الحياة العادية. إذا هبت الريح في الليل، تم تدوين ذلك. إذا قفزت هرة مشؤومة من النافذة، لم يغفل ذكر قفزتها. إذا ارتفع البحر واضطرت السفينة للاحتماء قرب الشاطئ، وصف لك كيف فعل القبطان ذلك، وماذا ألم بالركاب من شدَّة العصف وكثرة الدوار.
ليس هناك يومية أجمل من أخرى. كل يومية لوحة مستقلة الرابط بينها الرواي. وهو لا يمل. ولا يعتبر أن في الحياة تفصيلا لا يستحق الذكر، وإلا فكيف يمكن أن تبني رواية ساحرة من 450 صفحة، قوامها مظاهر وطبائع الضعف البشري، الخير والشر، الخوف والشجاعة، الفساد والنزاهة.
يدخل بالداسار على مكتب حكومي في أزمير من أجل معاملة رسمية. مكتب صغير وعتم، فيه ثلاثة موظفين ورئيسهم. سأل بالداسار الرئيس كم كلفة أتعابه؟ فأجاب في صوت عالٍ «مائتا اقجا»، فوضع المبلغ الباهظ في يده ونهض الرجل لمرافقته إلى الخارج. ماذا حصل هناك؟ فتح الرجل بدوره يد بالداسار، وأعاد إليه المبلغ قائلا: إنه لم يفعل أكثر من مراجعة السجل الذي بين يديه.
يعود إليه بالداسار في اليوم التالي. إنه يريد أن يعرف سر هذا التصرُّف: لماذا يقبض الرجل الرشوة أمام رفاقه، ثم يعيدها بعيدا عنهم؟ يقول الموظف السلطاني: لا أستطيع داخل المكتب أن أرفض المال الحرام، لأن رفاقي سوف يكيدون لي، وفي الوقت نفسه لا أستطيع أن أتحمل المال الحرام: «ولقد أبلغوني منذ البداية، إذا أردت أن تحافظ على رأسك، يجب أن تسلك سلوكنا وألا تظهر أفضل أو أسوأ منا. ولأنني لا أرغب في تلطيخ سمعتي، أو تعذيب ضميري، أفضِّل التصرف كما فعلت معك. ففي داخل المبنى أرتشي، وفي خارجه أكفِّر عن ذنبي».
الشرق الأوسط _ وطن اف ام