يبدو أن نظام طهران بات أكثر من أي وقت مضى، وأكثر من أي جهة أخرى، مقتنعا تمام الاقتناع بأن نظام بشار الأسد قد انتهى، لذلك نراه قد زجّ بنفسه بالكامل في قيادة الحرب المضادة على الثورة السورية وعلى الشعب السوري، مبعدا القيادات العسكرية التابعة لنظام الأسد عن هذه القيادة.
وهو إذ يقود الصراع في سوريا، وبشكل صريح في معارك المنطقة الجنوبية، لا يقصد أبدا حماية نظام الأسد من السقوط، ولكنه يهدف إلى الإمساك بقـوة بالورقة السورية في مفاوضاته مع الإمبرياليات الغربية، ليؤكد حضوره كقوة مهيمنة على الشرق يفترض بالغرب مفاوضتها على هذا الأساس.
وبهذا، لم يعد همّ النظام الإيراني حماية نظام بشار من السقوط، هذا السقوط الذي بات شرطا ضروريا لحماية سوريا من التفكك والضياع، بل صار همه اليوم إسقاط سوريا من خلال القضاء على جذوة الثورة التي تجسدها اليوم أكثر من أي منطقة أخرى، الجبهة الجنوبية التي تشكلت على قاعدة مأْسَسة الثورة وتوحيد قيادتها وتنظيم علاقتها مع المواطنين على أسس مدنية صريحة.
فقد جاء في بيان تشكيل الجبهة الجنوبية للجيش الحر منذ عام من الآن، ما يؤكد أهداف الشعب السوري من ثورته ومطالبه كشعب واحد في بناء سوريا جديدة موحدة حرة ومستقلة لجميع السوريين حيث ينعمون بالحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية والإنسانية، بعيدا عن الطائفية والتطرف والأحقاد، “نحن هم المزارعون، المعلمون، والعمال الذين ترونهم كل يوم. كثير منا هم من عداد الجنود الذين انشقوا عن نظام فاسد قد حوّل سلاحه لقتال أبناء بلده. نحن نمثل مختلف الطبقات وهدفنا واحد، وهو إسقاط نظام الأسد لإعطاء سوريا فرصة لمستقبل أفضل. ليس للطائفية والتطرف مكان في مجتمعنا ولا يجب أن يكون لهما مكان في مستقبل سوريا. يستحق الشعب السوري أن تكون له حرية التعبير عن الرأي، وأن يسعى لمستقبل أفضل. نعمل جاهدين لتكون في سوريا حكومة تمثّل الشعب وتعمل لصالحه”.
بهذه الروحية تشكلت الجبهة الجنوبية، وبهذه الروحية استطاعت إبعاد داعش عن المنطقة، واستطاعت منع جبهة النصرة، التي تشكلت هناك من بعض أبناء المنطقة دون أن تشتمل على عناصر أجنبية، من التغول، فانحصر تواجدها في بعض الجبهات القتالية مع النظام، وبهذه الروحية استطاعت الجبهة الجنوبية أن تمنع أي احتكاكات طائفية أو سواها بين أبناء المنطقة الجنوبية، وبهذه الروحية جسدت الجبهة الجنوبية ثورة الشعب السوري أفضل تجسيد، وبهذه الروحية تمكنت تلك الجبهة من دحر قوات النظام وحلفائه من مواقع عديدة، وباتت تهدد تواجد النظام في كامل الريف الغربي للعاصمة دمشق.
وهذا ما جعل الجبهة الجنوبية هدفا ملحا للحملة العسكرية الإيرانية التي استبقت بحملة إعلامية واسعة تجندت لها كل وسائل الإعلام اللبنانية وكل من يستفيد من حزب الله والمال الإيراني من اللبنانيين في الصحف وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. حملة إعلامية حشدت تقارير صحفية واستذكرت معلومات من الماضي ومبررات وأضاليل أظهرت أن هذه الحملة العسكرية هي المعركة المصيرية الحاسمة على مستوى الصراع في المنطقة، كل ذلك في محاولة لتبريرها ولتسويغ انخراط حزب الله اللبناني فيها.
فهذا يصف الجيش الحر بالإرهاب تارة، وتارة يشبهه بجيش لحد العميل للاحتلال الصهيوني، وذاك يطلق عليه تسمية “المتطرفين التكفيريين”. وقد ذهب الخيال بالبعض إلى حد تصوير الهلع الإسرائيلي في الجولان المحتل من هذه الحملة، حتى يخال المرء أنها لن تتوقف قبل تحرير كامل الجولان.
استمرت الحملة الإعلامية على مدى بضعة أيام ثم توقفت تماما. وبعد الصدامات الأولى في منطقة دير العدس وجوارها على تخوم محافظة القنيطرة، تبين أن هذه الحملة قد اعتمدت في قيادتها على ضباط إيرانيين، في حين أُبعد الضباط السوريون وأوكلت للقوات السورية مهام القصف الصاروخي عن بعد، وللعسكريين السوريين مهمة التقدم على الأرض في بعض المناطق ليكونوا الطعم في المواجهات مع الجيش الحر. وقد تأكد خلال المواجهات أن الحملة تتشكل في معظمها من مرتزقة باكستانيين وأفغان ومن قوات حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية وعناصر من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وتؤكد الوثائق التي استولى عليها الجيش الحر ممن تم أسرهم أو قتلهم من عناصر الحملة أن القيادة هي إيرانية بالكامل. هذا يعني أن الايرانيين لا يثقون في السوريين فأبعدوهم. وهذا يعني أن كامل الأجندة التي تنفذ على الأرض هي أجندة إيرانية تتجاوز قضية بقاء نظام الأسد من عدمه.
واضح أن المعارك مستمرة وهناك كر وفر وخسائر لدى الطرفين، وأن هناك أسرى أجانب لدى الجيش الحر بينهم ضباط إيرانيون، وأنها لن تحسم في وقت قريب لأي من الطرفين.
ولكن تلك المعارك لم تحجب الأنظار عن المجازر التي يرتكبها طيران النظام وصواريخه في دوما والتي أظهرت كمّ الحقد الصارخ وليس الدفين، الذي يكنّه النظام الدموي المنهار للشعب السوري الذي يعبر كل ساعة عن صمود أسطوري لن يهزم.
العرب اللندنية _ وطن اف ام