مقالات

صالح الصالح : نحن وأسوار الوطن

إلى أسوار الوطن نجرّ خيباتنا وهزائمنا، هناك نحترق بنار الوداع الأخير، حيث الأسلاك الشائكة صراط يمتدّ بين جحيم الوطن ونار الغربة. وفي كلا الحالين، علينا الاحتراق، لا التفاتة إلى الوراء، ولا صور في الذاكرة سوى صور من رحلوا وبقايا وطن تحوّل إلى رماد. الوقوف هنا أصعب من الوقوف على الأطلال، حيث ينقبض القلب، وتحيل ضرباته زلازل، ولا مكان للدموع في أعين أغرقها الوجع.

يقول توفيق زياد: من هنا مرّوا إلى الشرق غماما أسودا. تكلفة المرور إلى الشرق تدفعنا، اليوم، إلى المرور بشتى أصقاع الأرض مشردين، ومخذولين إلا من الله.
لم يعد متسع للحياة في الوطن، وغمام الأمس بات، اليوم، طائرات حبلى بالبراميل، لا تنجب سوى القتل والركام وأعداد شهداء كثيرين، حتى السماء أصبحت تمطر بالرصاص، والأرض تنبت بأشلاء الأطفال. الدماء فاقت ندى الصباحات وعرائش الياسمين تظلل جثث الأموات.
إنها الحرب حطت رحالها على هذه الأرض. ولا سبيل لمن يبغي الحياة عليها، إلا المضي إلى الأمام خلف حدود الوطن يجرّ أذيال الخيبة، نقف، هنا، في قيامة الوطن بلا حساب.
نتعرّى من أحلامنا ونعلقها على الأسلاك، مغلفة باﻷمل تنتظر العودة، ربما بعد ألف عام، ثم نمضي بحلم وحيد، حلم بخيمة فيها نحيا نكبتنا، فيها نحلم بوطن جديد.

العربي الجديد _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى