حاولت جامعة الدول العربية احتواء الأزمة السورية، منذ بدايتها، بدفعها النظام إلى القيام بخطوات سياسية جادة، تلبي المطالب الشعبية، وتمنع البلاد من الانجرار نحو الهاوية، وتكرار النموذج الليبي، بشكل أو بآخر، في بلد له تأثير كبير على محيطه العربي والإقليمي، لكن إصرار النظام على خياره الأمني، دفع الجامعة إلى ممارسة ضغوط على دمشق، على أمل حصر الأزمة داخل المنظومة العربية، والحيلولة دون انتقالها إلى المستوى الدولي، متبعة في ذلك أسلوب الترغيب والترهيب معاً، فلم تغلق الباب العربي نهائيا بوجه النظام، ولم تتركه مفتوحا.
وكان من أبرز الخطوات التي بادرت إليها جامعة الدول العربية دعوة الأمانة العامة بداية أغسطس/آب 2011 النظام السوري إلى البدء بمرحلة الإصلاحات السياسية، وإيقاف القتل للحيلولة دون تدويل الأزمة، وفي الشهر التالي، في منتصف سبتمبر/أيلول، جاءت المبادرة العربية الأولى التي دعت إلى سحب الجيش من المدن ووقف العنف وإجراء حوار مع المعارضة، ثم جاء قرار الجامعة في 12 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، ليقضي بتعليق عضوية سورية في الجامعة، وسحب السفراء العرب من دمشق، وفرض عقوبات اقتصادية على النظام. ثم خطت المنظومة العربية خطوة إلى الأمام، حين أصدر وزراء الخارجية العرب في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، قرارا بإرسال بعثة مراقبين عربية، من أجل تقصي الحقائق، لكن البعثة فشلت فشلاً ذريعاً، نتيجة أساليب النظام، وإثر ذلك، اقترحت الجامعة مبادرة ثانية، للحل في سورية، تدعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتفويض الرئيس بشار الأسد نائبه فاروق الشرع صلاحيات كاملة.
غير أن دور جامعة الدول العربية وتأثيرها في الأزمة السورية بدأ بالتراجع، منذ منتصف 2012، لحظة تحول الأزمة من مسارها المحلي إلى مساريها، الإقليمي والدولي. ومنذ ذلك الوقت، تحولت مقررات الجامعة إلى مجرد بيانات تعكس حالة الضعف والخلافات البينية داخل المنظومة العربية، في وقت تُرك فيه مصير الأزمة السورية إلى قدرة الفاعلين العرب والإقليميين، وبلغ الأمر أن شدة الموقف العربي من الأزمة السورية، أو ليونته، لم تعد مرتبطة بإجماع عربي، بقدر ما أصبحت متعلقة بالبلد المضيف للقمة العربية، وسياسة المحاور داخل البنيان العربي.
هكذا كانت قمة الدوحة عام 2013 التي شكلت خطوة جديدة، بمنح المقعد السوري الشاغر للائتلاف الوطني المعارض، أما الكويت التي احتضنت القمة السابقة فآثرت ترك المقعد السوري شاغرا، فيما تتجه مصر في قمة شرم الشيخ السادسة والعشرين المقبلة إلى تبني الموقف الكويتي ، لكي لا تكون القمة منحازة لهذا الطرف أو ذاك، وتوصل رسائل سياسية، لا تعكس طبيعة الموقف العربي الذي يتبنى الحل السياسي، حسب ما أعلنت السلطات المصرية، فضلا عن أن انقسام المعارضة أعطى فرصة قوية لهذا التيار للتمسك بموقفه الرافض. ولكن حقيقة الموقف المصري تتعدى ذلك، فالقاهرة، منذ تسلم عبد الفتاح السيسي الحكم، تجد نفسها أقرب إلى النظام السوري من المعارضة، لكنها لا تستطيع الخروج عن الإجماع العربي، لا سيما الخليجي. ولذلك، تسعى إلى تعويم وجهة نظر هيئة التنسيق بدلاً من “الائتلاف” المدعوم من أنقرة والدوحة، الخصمين اللدودين للسيسي، وكانت الهيئة قد أعلنت على لسان منسقها العام، حسن عبد العظيم، رفضها إعطاء المقعد السوري إلا للدولة، وممثلي الشعب السوري المنتخبين.
تحاول القاهرة استعادة دورها العربي، وهذا مطلوب ومرغوب عربياً، بيد أنها، اليوم، غير القاهرة الأمس، إنها اليوم تسعى إلى نقل الثورة المضادة في الداخل المصري إلى الإطار المحلي، فهي تفضل بقاء الحكم في سورية بأيدي النظام، على أن تراه بأيدي الائتلاف والإخوان المسلمين المدعومين من الدوحة وأنقرة، لكنها بحكم علاقاتها مع الرياض من جهة، ولإدراكها أن دعم النظام صراحة مستحيل من جهة ثانية، تعمل على تبني خيار سياسي وسطي، يرضى بقبول عربي ويعتمد على: أولوية محاربة الإرهاب، وهذا هو السبب الذي دفع القاهرة إلى اقتراح إنشاء قوة عربية مشتركة. اعتماد الحل السياسي في سورية خياراً وحيداً لإنهاء الأزمة، عبر عملية يشارك فيها طرفا الأزمة معا. دعم القوى المعارضة السورية التي تتبنى مواقف معتدلة، مثل هيئة التنسيق الوطنية، وقد بلغ التعاون بين الطرفين مبلغاً كبيراً، وانعكس ذلك في النقاط العشر الصادرة عن اجتماع للمعارضة السورية في القاهرة في يناير/كانون الثاني الماضي. العمل على إبعاد “الإخوان المسلمين” من الساحات السياسية العربية، خصوصاً السورية.
العربي الجديد _ وطن اف ام