مقالات

فايز سارة – كي لا تقع إدلب تحت سيطرة التطرف!

تطرح عملية تحرير إدلب في شمال سوريا وبصرى الشام في الجنوب، السؤال عن مآل المنطقتين، وعن ماهية القوى التي ستحكمهما، وتتحكم بأهلها في المستقبل. وهذه بين أسئلة لا تشغل بال السوريين فقط لأنها تتعلق بحياتهم ومستقبل بلدهم، بل تشغل بال المحيط الإقليمي والدولي وكل المهتمين والمتصلين بالقضية السورية نتيجة احتمال سيطرة المتطرفين الإرهابيين على المنطقتين أو واحدة منهما، أو احتمال السير في اتجاه آخر، وهو إقامة سيطرة سلطة مدنية في المنطقتين أو في واحدة منهما.

واحتمال سيطرة المتطرفين الإرهابيين في أي من المناطق التي تم طرد قوات النظام منها مؤخرا، أمر وارد، لكنه يظل في باب الاحتمالات الأكبر في إدلب وجوارها مقارنة بما هو عليه الحال في بصرى الشام وجوارها لأسباب مختلفة ومتعددة، تتعلق بطبيعة تلك المناطق، ووضع القوى العسكرية، وطبيعة الصلات القائمة بين تلك المناطق وجوارها الجغرافي والسياسي.

ففي إدلب ومحيطها، يسود نفس ذو طبيعة متدينة، وتنتشر فيها قوى إسلامية، وتجاورها مناطق ينتشر فيها تنظيم داعش، إضافة إلى تمركز القوة الرئيسية لـ«جبهة النصرة» في المنطقة، التي تعتبر مع «داعش» أشد قوى التطرف والإرهاب، ومعهما نظام الأسد وعصاباته. والأمر الإضافي هو أن «النصرة» وسعت في الأشهر القليلة الماضية دائرة نفوذها، بعد أن وجهت ضربات لأهم خصومها من القوى العسكرية في المنطقة، ومنها «جبهة ثوار سوريا» و«حركة حزم» المحسوبتان على «الجيش الحر»، ودمرتهما تماما، واستولت على أسلحتهما وأماكن تمركزهما، وفي طريق عملياتها، لم تسلم من أذيتها قوى أخرى في المنطقة وجوارها، وبالنتيجة تكرست «جبهة النصرة» قوة رئيسية في المنطقة، قبل أن تنضم إلى جانب القوى الأخرى وخاصة حركة «أحرار الشام» لتشكل «جيش الفتح»، وتخوض معهم معركة طرد قوات النظام وحلفائه وفرض سيطرة «جيش الفتح» على إدلب.
ولئن كان الحضور العسكري والقوي لـ«جبهة النصرة» فرع «القاعدة في سوريا»، يمثل مصدر خوف في سيطرة المتطرفين والإرهابيين على إدلب وجوارها، فإن ثمة عاملا رئيسيا آخر يدعم الخوف ذاته، وهو تصريحات قادة «داعش»، التي أكدت أن سيطرة «النصرة» على إدلب تمثل خطوة تمهيدية لسيطرة «داعش» اللاحقة، وهو سيناريو كان قد حدث في مدينة الرقة، التي باتت عاصمة لـ«داعش»، والتي مرت بعد طرد قوات الأسد هناك بثلاث نقلات أساسية، فانتقلت من تحت سيطرة حركة «أحرار الشام» إلى تحت سيطرة «النصرة»، قبل أن يستولي «داعش» على المدينة، ويحكم قبضته عليها.

وتؤكد المعطيات الواقعية والتجارب القائمة في مناطق الشمال السوري أن سيطرة التطرف والإرهاب على إدلب ومحيطها أمر ممكن، خاصة في ظل وجود «جبهة النصرة» القوي هناك مع احتمال تحالفها مع «داعش» كما يحدث في الصراع الراهن على مخيم اليرموك جنوب دمشق، حيث يتحالف الطرفان ضد قوات سورية – فلسطينية محسوبة على الجيش الحر أو قريبة منه في المنطقة.

ورغم أن سيطرة التطرف والإرهاب على إدلب ومحيطها هي في باب الاحتمالات، فإن المطلوب حذر في وجه الاحتمال، لأن حصول مثل هذا الاحتمال سوف يؤدي إلى خروج كل القوى المسلحة المعتدلة من ساحة الصراع في سوريا، وهذا سيغلق الباب أمام أي مساعدة دولية سياسية أو عسكرية وربما إغاثية للسوريين، حيث إن سيطرة المتطرفين والإرهابيين في المنطقة سيدفعهم إلى ذهاب عملي نحو تصفية ما تبقى من القوى المعتدلة، بما في ذلك المجموعات الصغيرة والأفراد، ومصادرة فرص الحراك الشعبي والمدني على نحو ما حدث في مناطق سيطرة «داعش».

ويتطلب الوضع في ضوء احتمالاته، استنفارا واسعا في المستويات الداخلية، وخاصة في الشمال السوري، إضافة إلى استنفار إقليمي، وخاصة من جانب تركيا لحصار احتمالات سيطرة التطرف والإرهاب على إدلب، من أجل تحشيد كل القوى السياسية والعسكرية المناهضة لسيطرة المتطرفين من جهة، ولجم تمدد الأخيرين من جهة أخرى، ووضع قواعد سياسية وعملية، تجعل من إدلب ومحيطها نموذجا، لما يمكن أن تكون عليه حالة المناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام، وهذا لن يخلق فرصا جديدة، أو أفضل لحياة السوريين، بل سيضع نموذجا ومثالا أفضل أمام بقية المناطق السورية لرسم مستقبل أفضل لحياتهم، وسيشجعها على التوجه إلى التجربة الجديدة لتقليدها، إن لم يفتح بوابة إبداع لحياة أفضل منها، غير أن من المهم في هذا المجال القول إن التجربة ستترك أثرا على الرأي العام الدولي، وموقف القوى الإقليمية والدولية من تجربة سورية تكاد تكون خالصة في القدرة على منع تمدد التطرف والإرهاب إلى المناطق التي تخرج منها قوات النظام، وخلق نموذج مدني أفضل لحياة السوريين، وهذا سيعزز فرص دعم السوريين، وقضيتهم من جانب المجتمع الدولي.

زر الذهاب إلى الأعلى