سيكذب من يقول بأنّه عالم وفاهم لما يجري داخل أزقة، أو تحت أنقاض مخيم اليرموك، فالاضطراب الواقع هناك حوّل أصحاب الرأي والسياسيين إلى منجمين لا يعلمون من الواقع سوى التوصيف، ويعجزون إذا ما سئلوا عن التحليل.
بهذه العبارات أجاب أحد الناشطين في المخيم عند حديثه مع “الخليج أونلاين”، وعند سؤاله عن واقع مخيم اليرموك في دمشق.
– الحياد المساند
لا شك أن المساندةَ غيرَ المباشرة من قبل جبهة النصرة لتنظيم الدولة في معركة مخيم اليرموك، والحيادية المعلنة، خلقت عدداً من الأسئلة والاستفسارات حول العلاقة بين الجبهة وتنظيم الدولة، أهي علاقة تحالف نابع من وحدة المنهج، أم أن ما جرى في اليرموك هو مسألة تكتيك مؤقت؟
في معارك إحقاق الحق، الحياد ليس موطئ الرجال، هذا ما همس به الجيش السوري الحر في أذن جبهة النصرة التي سهّلت دخول تنظيم الدولة لقطاع مخيم اليرموك، حسبما أفاد أسامة أبو زيد، المستشار القانوني للجيش الحر، في تصريح خاص لـ”الخليج أونلاين”.
واعتبر أبو زيد أنّ “إصرار الجبهة على عرقلة المهام العسكرية لفصائل الجيش السوري الحر، بعد الذوبان المفاجئ لحواجزها الفاصلة بين المخيم والحجر الأسود، معقل داعش، لحظة دخوله، هو تواطؤ يضرّ بالمصلحة الوطنية، ويضع إشارة استفهام حول هذا السلوك”.
– تحالف لمواجهة عدو مشترك
لكن على الرغم من كل ما تقدم، ما زال أبو زيد يستبعد وحدة المشروع ما بين جبهة النصرة والتنظيم، مؤكداً أن ما جرى أشبه بتجاوز مؤقت للخطوط الحمراء، متابعاً: “التجربة تقول بأنّ جبهة النصرة تتجاوز كثيراً من الخطوط الحمراء إذا تعلق الأمر بتصفية حساباتها مع الفصائل العسكرية التي تخالفها بالمنهج”.
وأكد المستشار القانوني للجيش الحر أنّ موقف النصرة جاء رداً على “خلافها الحاصل مع لواء شام الرسول في وقت سابق، لذا سهّلت الجبهة، التي تشرف على البوابة الأمنية لهذه المنطقة، دخول قوات التنظيم لمخيم اليرموك، بغية الاقتصاص من اللواء، الذي كان ضمن القوات العسكرية التي حاولت مؤازرة الفصائل العسكرية في المخيم والوقوف بوجه تمدد تنظيم الدولة”.
بيان النصرة الصادر في 4 أبريل/ نيسان الجاري يؤكد أيضاً أنّ سبب منعها دخول المؤازرات هو وجود لواء شام الرسول بين الفصائل المؤازرة، إذ اعتبر البيان أن اللواء “خائن ومتورط بالمصالحات مع النظام المجرم، بل وحرّض على إخراج جبهة النصرة من بيت سحم في وقت سابق”.
– خلافات داخلية
أما وجهة نظر جبهة النصرة فيما يتعلق بمعارك مخيم اليرموك، فقد أكد بعض مقاتلي الجبهة في المخيم، لـ”الخليج أونلاين”، أنّ موقف “الحياد” المتخذ من قبل القيادات في الجبهة لم يكن من باب التخاذل أو التخلي عن المسؤولية، ولكنه كان خاضعاً لفقه الأولويات أثناء القتال في الأرض”.
ورجح ناشط إعلامي في المخيم أن يكون انضمام بعض مقاتلي الجبهة وحركة أحرار الشام لصفوف تنظيم الدولة هو السبب في موقف الحياد، فقد أشار الناشط، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إلى “وجود انشقاقات وانقسامات بين مقاتلي الجبهة وحركة الأحرار بشأن الانضمام لصفوف التنظيم، وهذا ما جعل الحياد هو الموقف المتخذ من قبل مقاتلي حركة الأحرار والجبهة الذين عارضوا الانضمام لصفوف التنظيم خوفاً من الولوغ بدماء إخوانهم المقاتلين، كموقف مبدئي يناسب الاضطرابات التنظيمية التي يعيشها الفصيلان في مخيم اليرموك”.
في السياق، اعتبر قائد ميداني رفيع المستوى بالغوطة الشرقية القريبة من مخيم اليرموك، رفض الإفصاح عن اسمه، أن تماهي جبهة النصرة مع تنظيم الدولة في المخيم لا يعني اتحادهما واشتراكها معه في مشروع واحد، فحتمية الخلاف في المنهج موجودة، ولا يمكن تجاهلها، وموقفها في اليرموك لا يعدو عن كونه اتحاداً مؤقتاً للقضاء على ما يصفهم التنظيم بـ”الحمساوية والإخوان”، وذلك في إشارة منه لكتائب أكناف بيت المقدس التي كانت تشكل القوة الأكثر تأثيراً في المخيم.
وكانت كتائب الأكناف تعد الجناح الأمني الثاني والمسيطر على المنافذ المؤدية إلى مخيم اليرموك، غير أن اختراق المخيم كان من المداخل الخاضعة لسيطرة جبهة النصرة، بحسب تصريحات متطابقة أدلت بها قيادات ميدانية في أرض المعركة لـ”الخليج أونلاين”.
– أحلاف معقدة
واعتبر الناشط الإعلامي في مخيم اليرموك أنّ المشكلة الأكثر تأثيراً التي تعيشها الفصائل الثورية داخل المخيم، هي أنّ “كلّ فصيل عسكريّ داخل المخيم، مرتبط بجسم أساسي له خارج نطاق مخيم اليرموك، وهذا الجسم الكائن خارج النطاق، ملتزم بتفاهمات واتفاقيات عسكرية مع فصائل أخرى في بعض المناطق السورية، وإنّ هذه التفاهمات انعكست بدورها على موقف هذه الفصائل العسكرية بمخيم اليرموك”.
وعلى الرغم من موقف جبهة النصرة الذي أثار فصائل المعارضة المسلحة، فإنّ المستشار القانوني للجيش الحر استبعد احتمالية المواجهة العسكرية معهم، وقال: “لا نبحث عن المواجهة العسكرية مع الجبهة، ولكن ما زلنا نبحث عن التجاوب والتواضع والنوايا الصادقة للإصلاح وتصحيح المسار، وقطع الطريق على نظام الأسد في تحقيق مبتغاه، بخلق خطوط مواجهة مع تنظيم الدولة الإرهابي، ليسوق نفسه للرأي العام العالمي بأنّه يحارب الإرهاب، غير أنّ واقع اليرموك في الحقيقة، لا تخفى عن معالمه بصمات هذا النظام المجرم”.
الخليج أونلاين _ وطن اف ام