مقالات

مروان قبلان : ما حققته “عاصفة الحزم”

بدأت “عاصفة الحزم” مفاجئة وانتهت، بغض النظر عن الأسباب، بشكل مفاجئ أيضاً. وبين بدايتها ونهايتها، استغرقت نحو أربعة أسابيع، ترسخت جملة من الحقائق والوقائع، أهمها أن ميزان قوى جديداً على ضفتي الخليج تم تكريسه، وأن هذا الميزان سوف يحل مكان الميزان القديم الذي انهار بفعل الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

وعلى الرغم من أن التحالف الذي أطلق عليه اعلامياً اسم “التحالف العشري”، للدلالة على عدد أعضائه، لم يكن، على عادة التحالفات الكبيرة، متيناً بالشكل المطلوب، لأن دول أعضاء فيه، مثل باكستان ومصر، لم تكن ملتزمة تماماً بأهدافه، أو متحمسة حتى للدخول فيه، إلا أنه شكل، مع ذلك، حالة ردع لإيران، وكشف عن تهافت قدراتها على دعم حلفائها في ظروف المواجهة المباشرة. فالفشل الإيراني في إنقاذ الحوثي، أو التدخل لمساعدته، كان أحد أهم ما أفصحت عنه عملية عاصفة الحزم، إذ اكتفت إيران، طوال الأسابيع الأربعة التي استغرقتها الحملة الجوية بإطلاق الإدانات.
وفي أفضل الحالات، إجراء عروض قوة محسوبة عبر إرسال بعض قطع بحريتها إلى خليج عدن، مع بقائها على مسافة أمان كافية من سفن التحالف، حتى لا يحصل أي احتكاك غير مقصود، يتطور إلى عمل عسكري غير مرغوب. ومما حققته عاصفة الحزم، أيضاً، وهو ربما ما لم يقله صراحة الناطق الرسمي باسمها، أنها شكلت سابقة عربية لجهة العمل بمبدأ الضربات الاستباقية، التي تعني ضرب الخصم وشل قدرته على الحركة، قبل اكتمال استعدادته للحرب، وسابقة خليجية لجهة تجاهل الموقف الأميركي غير المتحمس لعمل عسكري واسع في اليمن، يمكن أن يؤثر على جهود محاربة القاعدة هناك من جهة، وعلى المفاوضات النووية مع إيران، من جهة أخرى. فلو انتظرت السعودية، مثلاً، الموافقة الأميركية على عمل عسكري في اليمن، لربما كان الحوثيون يقصفون الرياض، اليوم، بالصواريخ البالستية، من فصيلة سكود وأخواتها.
كما كرست العملية فكرة أن الحزم مطلوب، ليس فقط مع الخصوم، إنما أيضاً مع الحلفاء، الفعليين أو الافتراضيين، وذلك لضبط حركتهم ودفعهم إلى اتخاذ المواقف المطلوبة، وهو ما حصل مع مصر ومع إدارة باراك أوباما أيضاً التي أكدت، مرة أخرى، أنها نفعية المذهب والتفكير، وأنها سوف تمضي في الاتجاه الذي يحقق مصالحها أكثر، شرط أن يكون حلفاؤها حازمين في دفعها بهذا الاتجاه.

أظهرت عاصفة الحزم أن المواقف الأيديولوجية هي العدو الرئيس لسياسة خارجية فعالة وناجحة، فلو أن السعودية أصرت على المواقف التي اتخذتها، خلال السنوات الأربع الماضية منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، لما أمكنها، بالتأكيد، أن تجمع حولها هذا التحالف الواسع الذي ضم قوى متناقضة، مثل تركيا ومصر مثلاً. صحيح أن تركيا ليست عضواً رسمياً في التحالف، لكن تأييدها له كان مهماً للغاية.
كما أنه من الصحيح، أيضاً، أن السعودية لم تكن بالتأكيد بحاجة لمساندة عسكرية من خارج منظومة دول مجلس التعاون في الحملة الجوية، لأنها تمكنت بسبب الضعف النسبي للجيش اليمني وتفككه، خلال سنوات الصراع الأربع الماضية من السيطرة على أجواء اليمن في الساعات الأولى من عملية عاصفة الحزم، إلا أن التدخل العسكري السعودي في اليمن ما كان ليحصل سياسياً، لولا إنشاء هذا التحالف.
فهذا التحالف هو الذي ردع إيران عن التدخل على نطاق واسع، أقله في شكل خرق للحصار الذي تم فرضه على اليمن بحراً وجواً، مثل ما أنه ردع أميركا عن بذل جهود كبيرة لمنع عاصفة الحزم. فعندما وجد العدو والصديق أنفسهم أمام هذا التحالف الواسع، كان لابد من الرضوخ للأمر الواقع، وهو أمر ينبغي أن ندرك أهميته. بينت عاصفة الحزم، أيضاً، ليس فقط أهمية حشد الحلفاء حول هدف استراتيجي نسعى إلى تحقيقه، بل أهمية حرمان الخصم من دعم حلفائه الاستراتيجيين كذلك.
فمن خطايا الفعل السياسي أن يضع المرء خصومه جميعاً في سلة واحدة، ويبدأ بإطلاق النار عليهم، ما يدفعهم إلى تناسي تناقضاتهم والتكتل والمقاومة. الأصح أن يدرك المرء وجود تناقضات بين حلفاء المعسكر الخصم، وأن يبدأ بالبحث عنها واللعب عليها، فالمعسكر الخصم ليس موحداً إلا إذا قررنا أن نجعله كذلك. وإذا كان من حقيقة أخرى أكدتها عاصفة الحزم، في هذا السياق، فهو أن المصالح الروسية والإيرانية ليس متطابقة، لا في اليمن ولا في غيره، وهو ما برهن عليه الموقف الروسي من قرار مجلس الأمن 2216. لذلك، يجب أن يتم التركيز على هذا الأمر في المرحلة المقبلة، والنظر في كيفية توسيع الشقة بين موسكو وطهران.
أخيراً، مما يتسع المجال لذكره، في هذه المقالة القصيرة، أن عاصفة الحزم أنهت، وإلى غير رجعة، الصورة النمطية التي التصقت بدول الخليج العربية، وساهم العرب والغرب والإيرانيون، وحتى الخليجيون أنفسهم، في تكريسها، لجهة أن هذه الدول التي تعيش في بحبوحة النفط هي دول ضعيفة، خائرة العزم والقوة وأنها تشتري السلاح لتخزينه، إرضاء لشركات السلاح وحكوماتها الغربية، وأن كوادرها البشرية غير مؤهلة، وغير قادرة على الدفاع عن نفسها، بمعزل عن السيد الأميركي، إلى غير ذلك من تصورات.
تمكنت دول الخليج العربية في عاصفة الحزم من إدارة عملية توزيع أدوار ناجحة، تناولت مختلف الجوانب السياسية والدبلوماسية والعسكرية والإعلامية، تجاوزت “الشطارة” الإيرانية التي كثيراً ما نتحدث عنها، تارة بإعجاب مبطن، تستجلبه عملية جلد الذات، وتارة بحنق واستنكار.
لا بل إن النجاح الخليجي تعدى كل ذلك إلى اختيار التوقيت المناسب، للقيام بالعملية التي انطلقت في ذروة المفاوضات التي كانت تجري حول ملف إيران النووي، حيث يستميت الطرفان الإيراني والأميركي في سبيل إنجاحها، ومنع كل ما من شأنه التأثير عليها. وعلى الرغم من أن المرء يجب أن يكون حذراً في تحميل عاصفة الحزم ودول الخليج العربية أكثر مما تحتمل، خصوصاً عندما يجري الحديث عن تكرار التدخل عسكرياً، لمعالجة أزمات أخرى في المنطقة، إلا أنه يمكن القول بثقة إن دول الخليج العربية أصبحت، اليوم، جزءاً أصيلاً في موازين القوى العسكرية في المنطقة، وأن إيران وحلفاءها يجب أن يأخذوا ذلك في الاعتبار عند وضع حساباتهم، في ضوء ما بينته “عاصفة الحزم” من أنه لم يعد في وسع دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها السعودية، السكوت عن التغول الإيراني الذي نخر الجسد العربي في غير موضع.

العربي الجديد _ وطن اف ام

 

زر الذهاب إلى الأعلى