مقالات

علي العبد الله : سقطات دي ميستورا

في إحاطته مجلس الأمن أعلن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا أنه سيجري مشاورات حول الوضع في سورية مع ممثلين عن النظام والمعارضة، وعدد من الدول الفاعلة في مقر الأمم المتحدة في جنيف، بدءاً من 5 أيار (مايو) الجاري، وأن المشاورات ستستغرق بين أربعة وستة أسابيع، وأكد أنه لا يعلق آمالاً كبيرة على فرص نجاحها، وأن الفرص والظروف لبدء عملية انتقال سياسي ليست أفضل مما كانت عليه قبل ستة أشهر، وأن النظام السوري والمعارضة قلما يبديان رغبة جديدة في التفاوض، كما شدّد على أن الأمم المتحدة لا تزال مقتنعة بضرورة إعادة تفعيل حل سياسي.

لمَ، ولم الآن؟ في المعلومات التي أعلنها فريق السيد دي ميستورا أن تحركه عبارة عن مشاورات غير رسمية ومنفصلة ترتكز على بيان جنيف لتوضيح عناصره الأساسية والوقوف على آراء النظام والمعارضة السياسية والعسكرية وقطاعات واسعة من المجتمع السوري (منظمات مجتمع مدني، شخصيات مستقلة ورجال أعمال) حول كيفية المضي قدماً نحو حل سياسي يقوده السوريون بأنفسهم، من أجل تفعيل البيان عبر عقد جلسة مفاوضات جديدة في جنيف، على أن يرفع تقريراً للأمين العام للأمم المتحدة يتضمّن مقترحات حول إمكان قيام الأخير بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي – إقليمي، في حضور ممثلي الأطراف السورية أو من دون ذلك، لبحث احتمالات الوصول إلى حل سياسي في سورية. ويرجح أن يتزامن ذلك مع الذكرى الثالثة لصدور بيان جنيف.

غير أن صيغة التحرك ومداه انطويا على سقطات قاتلة وأثارتا أسئلة وتحفظات عدة لأنهما سيرتبان مشكلات أكثر مما يفتحان طريقاً نحو حل. فقد كانت صيغة الدعوة السقطة الأولى حيث أخذت صيغة شخصية منفردة، فلم يتعظ السيد دي ميستورا مما حصل في لقائي القاهرة وموسكو من مشكلات بسبب الدعوات الشخصية، ما أثار هواجس ومخاوف وخلافات في صفوف الكيانات السياسية والعسكرية المعارضة.

وكان عدد المدعوين للمشاورات السقطة الثانية، فقد تم توجيه الدعوات إلى عدد كبير من الأفراد، قيل أنه تجاوز الـ400 مدعو، وهذا سيجعل تشكيل تصور واضح عن المواقف والاقتراحات، ناهيك عن التقريب بينها وجمعها في تصور واحد، شبه مستحيل، لأن لكل فرد ذاتيته وتصوراته وتطلعاته وأولوياته، وسيضع المحاولة أمام حالة تشتت وتذرر شديد.

فإذا كان هدف المشاورات استطلاع مواقف النظام والمعارضة والمجتمع المدني والقوى الإقليمية والدولية (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وممثلي الدول الإقليمية الفاعلة في الملف السوري)، لمعرفة ما إذا كانت أطراف النزاع مستعدة للانتقال من مرحلة المشاورات إلى مرحلة المفاوضات، كما هو معلن، فإن استشارة الأطراف الرئيسية التي لها حضور فاعل في الصراع وقدرة على ضبط الموقف والسيطرة على ردود الفعل أكثر من كاف لتشكيل تصور وتقدير للموقف. هذا إضافة إلى ما أثارته دعوة إيران الى هذه المشاورات في ضوء الدور الذي لعبته ولا تزال في الصراع السوري حيث ينُظر إليها كجزء من الأزمة، إضافة إلى رفضها بيان جنيف وسعيها مع روسيا إلى دفنه أو على الأقل تعديله كي يتناسب مع تطلعاتهما في سورية والإقليم، والتي تستند إلى الإبقاء على النظام بعد كل الجرائم والدمار التي تسبب بها في حربه المجنونة على المواطنين لأنهم طالبوا بالحرية والكرامة.

وقد كان لافتاً حديث فريق دي ميستورا عن إجراء مشاورات غير مباشرة مع «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش) و «جبهة النصرة لأهل الشام» عبر أطراف على تواصل معهما، وهو توجه سيثير المزيد من الخلافات والتعقيدات لأن التنظيمين على قائمة الإرهاب الدولي من جهة، ولأنه ليس على جدول أعمالهما خيار حل سياسي من جهة ثانية.

وأما السقطة الثالثة فالتوقيت الذي اختاره لإجراء المشاورات، حيث إن المناخ الإقليمي السائد وما ينطوي عليه من توتر وضغوط متبادلة بين دول فاعلة فيه وفي الملف السوري على خلفية انفجار القتال في اليمن وإطلاق عاصفة الحزم للتصدي للتمدد الإيراني، وما يصاحبه من عدوانية واختراق لسيادة الدول وهز استقرارها الداخلي، عبر تجنيد وتجييش طائفي مذهبي داخل صفها الوطني، لا يساعد على تعاطٍ إيجابي بين الفرقاء.

فقد أثارت الدعوة إلى المشاورات هواجس ومخاوف هذه الأطراف، ما دفعها إلى السعي لعرقلة العملية أو فرض مناخات سلبـيـة عليـها ورفـع سخونة المواجهة الميدانية لتحقيق مكاسب على الأرض.

وهذه ستؤثر في مواقف الأطراف المتصارعة فتحد من مرونتها إما عبر سعي بعضها لاستثمار تقدمها على الأرض أو تحفظ بعضها الآخر بسبب تراجعها على الأرض ورفضها تقديم تنازلات تحت ضغط التراجع والقبول بخيارات لا تستجيب لتطلعاتها ومصالحها. وهذا سيجعل فرص التقدم على طريق الانتقال من المشاورات إلى المفاوضات بعيدة وغير واقعية.

تبقى السقطة الأكبر والأخطر تلك التي وقع فيها المبعوث الدولي حين أكد بعد حديثه لمجلس الأمن عن فكرته إجراء مشاورات «أنه لا يعلق آمالاً كبيرة على فرص نجاحها»، إذ من المسلم به أن الديبلوماسي الناجح لا يتعاطي مع كلمة «لا» ولا يستخدمها، لأنها وفق قول أستاذي الدكتور محجوب عمر (رحمه الله) بلهجته المصرية المحببة «تبقى خيبة».

فما جدوى هذه العملية الضخمة والطويلة والمكلفة إذا كانت من دون طائل، أم إن السيد دي ميستورا يسعى إلى الالتفاف على فشله في تحقيق تقدم على الأرض بعد مضي قرابة عام على تكليفه المهمة وخلق مبرر لبقائه في منصبة لفترة أخرى؟!

الحياة _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى