صحف عربية : “تركيا على حق”..وروسيا لن تصَّعِد إلا “لفظيًا”
اعتبرت صحف عربية أن “تركيا على حق” فيما يتعلق بحادث إسقاطها طائرة حربية روسية، انتهكت أجواءها، الثلاثاء الماضي، مشيرين إلى أن أن هناك “دعم عربي واضح لتركيا”، لثقتهم في موقفها.
واستبعد عدد من كتاب الرأي العرب في مقالات نشرتها صحف عربية على مدار اليومين الماضيين، لجوء روسيا إلى “مواجهة كبرى” أو “تدخل عسكري” أو “إجراءات اقتصادية انتقامية ضد تركيا “، وتوقعوا أن لهذا الحادث “نتائج سياسية حميدة”.
وأشار خبيرٌ إلى أن “هذه الحادثة التي كرّست قواعد الاشتباك الجديدة ووضعت حدودا لـ(سوخوي)، كانت رسالة تركية أدخلت عمليا المنطقة الآمنة التي تعمل عليها أنقرة حيّز التنفيذ”.
وفي افتتاحيتها التي جاءت تحت عنوان “تركيا وروسيا.. ولغة العقل”، اعتبرت جريدة “العرب” القطرية أن هناك “دعم عربي واضح لتركيا”، بعد إسقاط الطائرة الروسية التي انتهكت مجالها الجوي، يوم الثلاثاء، معتبرة هذا الدعم ينبع من “الثقة في صحة الموقف التركي المتسق مع القانون الدولي”.
وأكدت الصحيفة أن “تركيا على حق”، وبينت أن “ما يزيد الحق التركي رسوخاً في الدفاع عن المجال الجوي للدولة هو استدعاء أنقرة قبل خمسة أيام السفير الروسي، احتجاجاً على قيام طائرات روسية بقصف شديد لقرى التركمان في شمال سوريا. ثم تأكيد الخارجية التركية -في بيان منفصل- أن الهجمات التي استهدفت قرى للتركمان يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة، ودعت إلى وقف العملية فوراً.”.
وشددت الصحيفة في افتتاحيتها أول أمس الأربعاء على “أن تركيا لم تخالف قواعد القانون الدولي بحماية نفسها ضد أية انتهاكات، وأن من خالف القانون الدولي وأصول العلاقات بين الدول هو الطرف الذي انتهك المجال الجوي لدولة أخرى”.
ودعت الصحيفة روسيا إلى “أن تعود للغة العقل”، مشيرة إلى ان “لغة العقل، بل والمصالح المشتركة، تفرضان على روسيا ألا تخسر أصدقاءها في المنطقة من العرب والمسلمين، وألا تتوتر علاقتها بجار مهم في حجم تركيا، له ما له من مكانة سياسية واقتصادية”.
في السياق نفسه أبرزت جريدة “الرياض” السعودية في افتتاحيتها أمس الخميس، التي جاءت تحت عنوان “أزمة قواعد اشتباك بين أنقرة وموسكو”، التحذيرات التركية لموسكو قبل الحادث.
وفي هذا الصدد، قالت “الرياض” في الافتتاحية التي كتبها الكاتب السعودي “أيمـن الـحـمـاد”: “في الخامس من أكتوبر الماضي حذّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان روسيا من إمكانية خسارة صداقة بلاده بعد سلسلة الخروقات الروسية للمجال الجوي التركي وطالب حلف الناتو، بردّ قوي على التجاوزات الروسية”.
ورغم أن الصحيفة وصفت الحادث بانه “التطور الخطير الذي تمتد أبعاده باعتباره أول اشتباك حقيقي بين الناتو وروسيا منذ إنشاء الحلف” ، إلا أنها استبعدت حدوث رد عسكري روسي قائلة: “الانزلاق تجاه أي ضربة على الأراضي التركية، لا يبدو وارداً البتة في حسابات موسكو”.
وحذرت الصحيفة من أن “هذه الأزمة ربما تتكرر مرة أخرى على شكل اصطدام بين طائرات التحالف الدولي وطائرات روسية، إن لم يتم التزام قواعد اشتباك واضحة بين الأطراف التي تنخرط يوماً بعد يوم بشكل أكبر وأكثر شراسة في ظل تأكيد تكثيف الضربات العسكرية على معاقل داعش”.
وعلى صعيد التداعيات الاقتصادية، بينت “الرياض” أنه “بالرغم من أن حدة التصريحات الصادرة بين الطرفين تعكس توتراً شديداً لاسيما مع مطالبة الرئيس الروسي مواطنيه عدم التوجه إلى تركيا، إلا أنه لا يبدو في الأفق أن أزمة مقاطعة اقتصادية قد تحدث بين البلدين”.
ولفتت في هذا الصدد إلى “أن غالبية المشروعات التي أرسيت مؤخراً بين الجانبين ذات طابع استراتيجي؛ فخط الغاز المسمى، تركيش ستريم، والمفاعلات النووية الأربعة التي ستعمل شركة، روساتوم، الروسية على تشييدها في تركيا لا يمكن تعطيلها في وقت تسعى موسكو توسيع علاقاتها السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط”.
واتفقت “الشرق الأوسط ” السعودية و”العربي الجديد” اللندنية، مع ما ذهبت إليه الرياض، مستبعدة تصعيد اقتصادي روسي ضد تركيا.
وفي تحليل لها تحت عنوان “المواجهة العملية مع تركيا قد تصطدم بمصالح موسكو الاقتصادية والسياسية”، نقلت “الشرق الأوسط” عن “سامي نادر” مدير مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية، أنّ “ردّة فعل موسكو على حادثة إسقاط الطائرة، أمر طبيعي”.
وتابع “نادر” قائلا “لكنه ليس سوى خطوات رمزية وكلام سياسي لن يجد طريقه إلى التنفيذ، لأسباب عدّة، منها طبيعة العلاقة الاقتصادية التي تربط الطرفين، والتي تستفيد منها موسكو بالدرجة الأولى.”.
واعتبر أن”هذه الحادثة التي كرّست قواعد الاشتباك الجديدة ووضعت حدودا لـ(سوخوي)، كانت رسالة تركية أدخلت عمليا المنطقة الآمنة التي تعمل عليها أنقرة حيّز التنفيذ”.
وبيّن “أن قطع العلاقات الاقتصادية بين البلدين سيعود بالضرر على روسيا وليس على تركيا التي تملك البدائل بينما تعاني روسيا من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها”.
ولفتت الصحيفة إلى “كون تركيا أكبر خامس شريك تجاري لروسيا بحصة تبلغ 4.6 في المائة من إجمالي التجارة الخارجية الروسية”، وان “مؤشر التبادل التجاري الكلي بلغ بين البلدين في عام 2014 ما يقارب 44 مليار دولار.”
بدوره اتفق الكاتب الاقتصادي المصري “مصطفى عبدالسلام” مع الراي السابق في تحليل نشرته “العربي الجديد” اللندنية تحت عنوان “في أزمة تركيا وروسيا ..المصالح تحكم”.
وذكر الكاتب أنه “في الوقت الذي توقع فيه البعض قيام روسيا بإجراءات اقتصادية انتقامية ضد تركيا، منها قطع الغاز عن المصانع والمنشآت الحيوية التركية، كانت وزارة الطاقة الروسية تعلن مواصلة تزويد تركيا بالغاز الطبيعي الروسي بحسب الالتزامات التعاقدية، بل ويخرج نائب وزير الطاقة الروسي أناتولي يانوفسكي ليؤكد أن حادث الطائرة لن يؤثر سلبا على التعاقدات المبرمة بين البلدين.”
وكشف الكاتب النقاب عن أن “حادث إسقاط الطائرة ليس الأزمة الأولى بين روسيا وتركيا ولن تكون الأخيرة، فهناك خلافات وملفات عالقة بين البلدين وتوتر مستمر في العلاقات خاصة في الفترة الأخيرة بسبب التصعيد العسكري الروسي الأخير في سوريا، وانتهاك الطيران الروسي للمجال التركي عدة مرات، لكن لغة المصالح هي التي تسود في النهاية”.
وخلص إلى أن “لغة المصالح وتحييد الاقتصاد والمال عن الأزمات السياسية هي التي تكسب في النهاية.”
وبخصوص النتائج المتوقعة لحادث إسقاط الطائرة، اعتبر الكاتب السعودي “داود الشريان” في مقالة نشرتها جريدة “الحياة” اللندنية ، تحت عنوان “تركيا كسرت الغموض والتردُّد”، أن “إسقاط تركيا طائرة عسكرية روسية قرب الحدود السورية سيخلّف نتائج سياسية حميدة”.
واعتبر أن “أولى بوادر هذه النتائج جاءت على لسان الناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية الذي شكّك في الدور الروسي في محاربة، داعش، وقدّم تفاصيل تُثبت ذلك، مشيراً إلى أن التنظيم لم يكن موجوداً في منطقة عمليات الطائرة الروسية المستهدفة، وأن معظم الغارات الروسية كان يصب مباشرة في مصلحة دعم نظام الأسد، والذي هو أساس المشكلة”.
واستبعد “الشريان” أن “يجرّ حادث الطائرة الروسية إلى مواجهة كبرى”، لكنه بين أن ” الذي لا جدال حوله هو أنها أصبحت سبباً في لجم العدوان الروسي على الشعب السوري، وفرز المواقف التي كانت شبه غامضة قبل سقوط الطائرة. “
واستطرد قائلا “أنقرة كانت قلقة منذ اليوم الأول لبدء، عاصفة السوخوي، وجاءت اعتداءات باريس، وقبلها سقوط طائرة الركاب الروسية فوق سيناء، لتجعل التدخُّل الروسي يبدو كأنه يحظى بتأييد دولي، لذلك كانت تركيا تبحث عن فرصة لكسر هذا الغموض أو التردُّد، وإن شئت، التكاذب، واتخاذ خطوة تسمح بإعلان موقف الناتو من التدخُّل الروسي، فضلاً عن أن الحلف تعامل مع الخطوة التركية كأنه ينتظرها، من أجل إيصال الرسالة التي كان على موسكو أن تعرفها منذ اليوم الأول”.
ورأى أن “تركيا تنال من الغطرسة الروسية بدهاء سياسي، وأعصاب باردة. والأهم أنها تتجه إلى وسم التدخُّل الروسي بصفته دعماً للنظام السوري، وتكراراً للدور الإيراني في سوريا”.
وبيّن أن ” أنقرة أجبرت موسكو على الاصطفاف مع طهران، واستمرار وحشية التدخُّل الروسي والإيراني، واستهداف المدنيين العزّل، ودعم نظام بشار. وتجاهل محاربة تنظيم داعش، سيشكل مع الوقت موقفاً مضاداً لدور البلدين في الأزمة السورية”.
وخلص الكاتب السعودي إلى القول بأن”أنقرة أفسدت خطط بوتين، ونجحت في إذلال روسيا ولجم غطرستها، واستفزتها على نحو يهدد بفشل مهمتها الملتبسة.”
وإن كان “الشريان” لفت إلى تأييد حلف الناتو للتصرف التركي، فإن الكاتب “حسان حيدر” قد لفت في مقالة بالجريدة نفسها “الحياة” تحت عنوان “الحرب الباردة الثانية بدأت من سوريا” إلى “ارتياح واشنطن وحلفائها لهذه الصفعة المتعمدة” على حد تعبيره.
وأوضح أن هذا الارتياح يأتي “بعدما تمادت موسكو في تجاهل الدعوات المتكررة إلى التركيز أكثر في حملتها الجوية والصاروخية على داعش، بدلاً من قصف مواقع المعارضة السورية المعتدلة، وتصرفت كما لو أن الساحة السورية متروكة لها وحدها من دون سائر اللاعبين الإقليميين والدوليين.”.
ومن جانبه حاول الكاتب السوري “بكر صدقي” في مقال نشره بجريدة “القدس العربي”، اللندنية، تحت عنوان “ضربة تركية لكبرياء بوتين” تقديم قراءة للحادث وخلفياته ومن وجهة نظره.
وذكر أن الحادث جاء على خلفيات “قيام مقاتلين تدعمهم تركيا بتحرير قريتين شمال حلب من داعش بالاستفادة من تغطية وفرتها لهم المقاتلات التركية والأمريكية”، وهو الأمر الذي اعتبرته موسكو، “تمدداً تركياً على حسابها أثار امتعاض بوتين. وكان رده سريعاً في جبهة أخرى، تمثل في قصف جوي مكثف على جبل التركمان، في الشمال الغربي، مكّن قوات نظام بشار الكيماوي والميليشيات الحليفة له من تحقيق تقدم ملموس على حساب القوات التركمانية والفصائل الأخرى المتواجدة في المنطقة”.
وتابع: “تعاملت تركيا مع هذا الهجوم على جبل التركمان كما لو كان من مفردات أمنها القومي، وقال رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو إن بلاده لن تسكت على القصف الروسي للقرى التركمانية”.
واعتبر الكاتب السوري أن “هذه هي الخلفيات الحقيقية لإسقاط طائرة السوخوي من قبل صواريخ طائرات F16 التركية قرب الحدود، بعيداً عن التسويغ الذي استندت إليه أنقرة من «اختراق الطائرة الروسية للأجواء التركية لمدة 17 ثانية»! مع أن الأتراك يعرفون أن الطائرات الروسية لا تشكل خطراً على أمنهم القومي”.
ولفت إلى أن الحادث جاء بعد أن “فاز الحزب الحاكم فوزاً صريحاً في الانتخابات العامة التي أجريت مطلع الشهر الحالي(…) وبات بمقدوره اتخاذ قرارات كبيرة من غير أن يخشى انعكاس آثارها على التناقضات السياسية الداخلية.”
وأفاد أنه جاء أيضا بعد ان “خرج اجتماع فيينا حول المشكلة السورية، في 13 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، بتوافق اقليمي – دولي، طالما كان صعب المنال، حول خارطة طريق ملموسة، ومزودة بجدول زمني، لحل سياسي ينهي الصراع متعدد المستويات في سوريا. لكن خارطة الطريق هذه، بدلاً من أن تؤدي إلى تهدئة في وتيرة الصراع، كانت محكومة برفع حرارته، لأن الأطراف المتصارعة على الأرض السورية تريد جميعاً تحسين موقعها التفاوضي قبل الجلوس حول الطاولة، من خلال السعي إلى تعديل موازين القوى على الأرض”.
بدوره اعتبر الكاتب الجزائري “رشيد ولد بوسيافة” في مقال له بجريدة الشروق الجزائرية تحت عنوان “والقادم أعظم” أن “إسقاط الطائرة الروسية جاء نتيجة السخط التركي على الدور الذي تقوم به روسيا في سوريا وليس مجرد اختراق الحدود.”
وعلى جانب آخر رأى الكاتب “فيصل عابدون” في مقال له بجريدة ” الخليج ” الإماراتية ، تحت عنوان “صاعقة الاشتباك الجوي” أنه “لا يزال الوقت مبكراً للتكهن بشأن التداعيات المحتملة للاشتباك الجوي الذي أسفر عن تحطم طائرة روسية بنيران سلاح الجو التركي ومقتل قائدها وسط ظروف لم تتضح بشكل كامل حتى الآن”.
واعتبر أن “الحادث المفاجئ خلط أوراق اللاعبين الكبار وألقى مزيداً من الغموض حول المشهد المعقد أصلاً في منطقة الشرق الأوسط المشتعلة بالنزاعات العسكرية والأزمات السياسية.”
ولفت إلى أن “حادث الثلاثاء خلط أوراق اللعبة وفتح أبواب الاحتمالات على مصاريعها”.
وكانت طائرتان تركيتان من طراز “إف-16″، أسقطتا مقاتلة روسية من طراز “سوخوي-24″، انتهكت المجال الجوي التركي عند الحدود مع سوريا في ولاية “هطاي” (جنوب)، وذلك بموجب قواعد الاشتباك المعتمدة دوليًا، وقد وجهت المقاتلتان 10 تحذيرات للطائرة الروسية خلال 5 دقائق، قبل أن تسقطها.
كما أن طائرات حربية تابعة لروسيا، سبق وأن انتهكت الأجواء التركية مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث اعتذر مسؤولون روس عن ذلك، مؤكدين حرصهم على عدم تكرار مثل تلك الحوادث مستقبلًا، في حين حذرت تركيا من أنها ستطبق قواعد الاشتباك التي تتضمن ردًا عسكريًا ضد أي انتهاك لمجالها الجوي.
المصدر : الأناضول