صحيفة الحياة: المعارضة تستعد لـ “موسكو – ١” وصولا الى “جنيف-٣”
تجهد أطراف المعارضة السورية لنزع «الألغام» من الطريق إلى «موسكو-١» والتفاهم على «خريطة طريق» قبل لقائها ممثلي الحكومة نهاية الشهر المقبل، إذ يتمسك رئيس «الائتلاف الوطني السوري» هادي البحرة بـ «قيادة» وفد المعارضة وبحث «الحكومة الانتقالية»، فيما يقول المنسق العام لـ «هيئة التنسيق للتغيير الديموقراطي» حسن عبدالعظيم إن «أزمة الاستبداد والنظام أعمق من شخص الرئيس بشار الأسد». ويؤكد نائب رئيس الوزراء الأسبق للشؤون الاقتصادية قدري جميل على ضرورة «تلقف المبادرة الروسية».
وقررت موسكو دعوة حوالى ٢٥ شخصية إلى «لقاء تشاوري غير رسمي» يومي ٢٦ و٢٧ كانون الثاني (يناير) المقبل على أن يعقبه لقاء بين وفد المعارضة وممثلي الحكومة يومي ٢٨ و٢٩ الشهر ذاته. ويجري بحث ترؤس البحرة لوفد المعارضة، فيما يترأس وزير الخارجية وليد المعلم وفد الحكومة. وقال جميل لـ «الحياة» إن هذه اللقاءات ستكون بـ «مثابة تسخين لإعادة اللياقة إلى عملية جنيف، لترتيب لقاء رسمي بين وفدي الحكومة والمعارضة» بعقد «جنيف -3» واستئناف العملية التي توقفت بعد جلستي مفاوضات في بداية العام.
وقال البحرة إن الهيئة السياسية لـ «الائتلاف»، الذي يواجه تحدياً كبيراً بداية العام يتعلق بانتخابات الهيئة الرئاسية وسط انقسامات داخلية وبين الدول الداعمة له وتراجع الاهتمام الغربي، أبلغت موسكو أن «الائتلاف سيقود عملية الحوار مع الأطياف والتيارات الوطنية والمنظمات المدنية لتبادل وجهات النظر». وأضاف: «أخيراً لاحظت موسكو أن لا أفق لإمكانية الحسم من طريق الحل العسكري، ولا بد من تفعيل الحل السياسي».
وفيما وصل البحرة إلى القاهرة أمس، فإن عبدالعظيم سبقه إلى «تعزيز التحالف مع القاهرة الجديدة» في حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، في حين يقيم جميل في موسكو وكان زار جنيف قبل أيام حيث التقى المبعوث الأميركي دانيال روبنستين الذي «أراد الاستطلاع على التحرك الروسي»، وفق نائب رئيس الوزراء السوري السابق.
وقال عبدالعظيم لـ «الحياة إنه لاحظ بعد لقائه وزير الخارجية المصري سامح شكري أن القاهرة «مهتمة جداً بالتوصل إلى حل سياسي للأزمة، إذ إنها تعتبر سورية خط الدفاع الأول للأمن الوطني المصري والأمن القومي»، لافتاً إلى أن جهد «هيئة التنسيق» يتركز حالياً على «توحيد معارضة الداخل والخارج المؤمنة بالحل السياسي ورفض العنف والعسكرة والتطرف المتمثل بداعش» في إشارة إلى تنظيم «الدولة الإسلامية».
وقال عبدالعظيم في اتصال هاتفي أجرته «الحياة» أمس إلى دمشق، إن «الهيئة» تعمل على عقد مؤتمر موسع في القاهرة بمشاركة ٥٠-٧٥ شخصية، بمشاركة «جبهة التحرير والتغيير» برئاسة جميل و «الإدارة الذاتية الكردية» التي تضم أحزاباً بمبادرة من «الاتحاد الديموقراطي الكردي» برئاسة صالح مسلم الذي أكد «علاقة التحالف مع هيئة التنسيق» و»استمرار التنسيق» مع موسكو التي زارها في الأيام الماضية. كما أن «الهيئة» تتحاور مع «المنبر الديموقراطي» و «اتحاد الديموقراطيين السوريين» و «التيار القومي» و «التيار العلماني» لدعوتها إلى اللقاء، إضافة إلى «اتصالات» مع «تيار بناء الدولة» برئاسة لؤي الحسين الذي اعتقل قبل أسابيع. وأشار عبدالعظيم إلى أن «أعضاء في الائتلاف اتصلوا بنا، وقلنا إننا لن نستبعد أحداً يوافق على رؤيتنا».
رؤية مشتركة
وشدد عبدالعظيم على ضرورة «توصل المعارضة إلى رؤية مشتركة تقوم على إيجاد حل تفاوضي بين ممثلي النظام والمعارضة على أساس بيان جنيف» الصادر في منتصف العام ٢٠١٢، لافتاً إلى أنه أبلغ نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف خلال لقائهما الأخير في بيروت بضرورة عقد لقاء تشاوري بين أطراف المعارضة لـ «توحيد الرؤية والبرنامج قبل لقاء ممثلي النظام» في النصف الثاني من الشهر المقبل.
لكنّ اختلافاً بدا بين أطراف المعارضة إزاء مبادىء الحوار، إذ إن ممثلي الحكومة أكدوا ضرورة «الاتفاق على مبادئ الحوار برفض أي شروط أو تصورات مسبقة»، إضافة إلى الاتفاق على «رفض التدخل الخارجي والحل العسكري واحترام السيادة ومحاربة الإرهاب». ولدى الحديث على «بيان جنيف»، فإن دمشق «تريد النظر إليه سلةً متكاملة وبحثاً في شكل متسلسل وليس انتقائياً، مع أولوية محاربة الإرهاب ووقف تمويله وتدريب الإرهابيين».
في المقابل، أبلغ «الائتلاف» بوغدانوف بضرورة «إجراء الحوار على أساس بيان جنيف الذي يتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة. وقال البحرة: «تم الاتفاق مع الروس على أنّ جنيف -1 هو الإطار التفاوضي المتفق عليه كمرجعية للحوار السوري – السوري». وأكد عبدالعظيم أن «أي حل سياسي» يجب أن يقوم على تنفيذ «بيان جنيف» الذي يتضمن «وقفاً متزامناً لإطلاق النار وإطلاق سراح المعتقلين» وأن هذه الأمور «إجراءات لبناء الثقة يجب أن تقوم بها السلطات». وأضاف: «الذين طرحوا شروطاً مسبقة ذهبوا إلى مفاوضات جنيف، ورأينا ما حصلوا عليه. كما أن الذين طرحوا شروطاً مسبقة إذ كانوا يحاولون لنحو أربع سنوات، لم يحصلوا على شيء»، مؤكداً أن «أي حل سياسي يجب أن يقوم على توافق سوري – سوري أولاً ثم توافق إقليمي ودولي».
وتابع: «لابد من توحيد الجهود لمحاربة داعش الخطر الأكبر، ولابد من عملية سياسية تنهي الاستبداد والفساد وتنقل سورية إلى دولة مدنية ديموقراطية بدءاً من تشكيل حكومة انتقالية». وزاد: «الحكومة الانتقالية تنهي الحكومة الحالية المشكلة من طرف واحد، المتمثلة بالسلطة، ثم نطرح إعلاناً دستورياً جديداً لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حرة». وأضاف: «هل يحق للرئيس الأسد أن يرشح نفسه أم لا؟ هذا يحدد في الحوار. الأسد يقول إنه يحق له ذلك والمعارضة تقول إنه لايحق له ذلك. السوريون والقوى الإقليمية تقرر مصير الأسد والنظام»، مضيفاً: «البعض يربط المسألة بشخص الرئيس، لكن المسألة هي مسألة نظام بكامله ونهج الاستبداد ولابد من وضع حد له والانتقال إلى نظام جديد لايستثني شخصاً أو فئة أو حزباً باستثناء من تلطخت أيدهم بالدماء في النظام أو المعارضة».
وقدر عبدالعظيم مدة المرحلة الانتقالية بحوالى سنتين، في حين قال البحرة: «الائتلاف منفتح على الأطياف كافة وليست هناك أبواب مغلقة للحوار حول آليات الانتقال السياسي الذي يقوم محوره الأساسي على انتخاب جمعية تأسيسية وإعادة كتابة الدستور في ظروف محايدة وآمنة وفق ما يرغب السوريون».
وبدا عبدالعظيم مقتنعاً من لقاءاته بالمسؤولين الروس أن موسكو «تريد حلاً سياسياً. هم ضد إسقاط النظام بالقوة العسكرية ولن يسمحوا مع إيران بذلك، لذلك يبحثون عن حل سياسي يشارك فيه الجميع ويؤدي إلى عزل القوى المتطرفة والمؤمنة بالحل العسكري»، الأمر الذي لم يوافق عليه قيادي في «الائتلاف» الذي قال: «روسيا في وضع تفاوضي ضعيف، هي وإيران تنزفان في سورية لذلك يجب عدم تقديم تنازلات لهما»، مضيفاً: «في الوقت الذي يطلب النظام منهما مزيداً من المساعدات العسكرية والمالية، تعانيان من تراجع أسعار النفط. لذلك فإن الوقت لمصلحة المعارضة السورية ويجب عدم الاستعجال». كما قال إنه «يستغرب» قول روسيا إنها «تريد حواراً من دون شروط وتصورات مسبقة وتدعو المعارضة في الوقت نفسه للقاء تشاوري للاتفاق على رؤية مشتركة قبل لقاء ممثلي النظام».
في المقابل، بدا جميل أكثر قناعة بالدور الروسي. وقال في اتصال هاتفي أجرته «الحياة» أمس، إن الدول الغربية «قالت لسنوات إنها تريد حلاً للأزمة، لكنها لم تفعل ولم تستطع فعل ذلك. كل الجهود فشلت فانتقلت المبادرة إلى الأيدي الروسية وتلقفتها موسكو»، قائلاً إنها «تريد حواراً غير رسمي، تحضيرياً أو تمهيدياً لاستعادة اللياقة والتحضير لمفاوضات جنيف» على أن تدعو موسكو «شخصيات سياسية يعرفها المسؤولون الروس وتحدثوا معها في السنوات السابقة» ما يعني دعوة عبدالعظيم والمسؤول السابق لـ «هيئة التنسيق» في المهجر هيثم مناع والرئيس السابق لـ «الائتلاف» معاذ الخطيب والبحرة ورياض سيف، إضافة إلى جميل مع «احتمال دعوة شخصيات عسكرية في مرحلة لاحقة إذا استُكمل الحوار وتطور».
وكان بوغدانوف الذي أعطى إشارة ليونة سياسية بزيارته اسطنبول، أبلغ «الائتلاف» أن هذا التكتل مدعو إلى موسكو ليس باعتباره «الممثل الوحيد للمعارضة»، كما حصل في «جنيف-٢» وأن عدم مشاركته في «موسكو-1» سيقدمه أمام العالم والسوريين على أنه ضد الحل. كما انتقد بعض قادة «الائتلاف» وعلاقتهم بالخارج، و»غازل وطنية» آخرين. ورأى جميل أن الطريقة الاأميركية «لن تؤدي إلى تغيير النظام السوري، بل إلى تفتيت الدولة والمجتمع، ونحن نريد تغييراً حقيقياً. لذلك نحن نؤيد الجهود الروسية وجادون في الحل السياسي».
وكان روبنستين التقى جميل والخطيب في جنيف، وسط شكوك غربية في الأسباب الفعلية للتحرك الروسي. وقال مسؤول غربي لـ «الحياة»: «ليس واضحاً ما إذا كان الروس يناورون لتفتيت المعارضة وتقسيمها ويريدون الظهور بالباحث عن حل لشراء الوقت كي يحقق النظام تقدماً عسكرياً، أم أنهم فعلاً بعد الأزمة الأوكرانية وتراجع أسعار النفط يريدون حلاً سياسياً خصوصاً بعد زيارات مسؤولين عرب إلى موسكو وطرح أفكار ملموسة لحل سياسي في سورية».
وكان المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا قال لـ «الحياة» إنه في حال جرى تبني المبادرة الروسية ودعمها يمكن أن تكون «مكملة» لخطة «تجميد» القتال بدءاً من حلب شمالاً. وأوضح البحرة أن روسيا ومصر ودي ميستورا «لم يقدموا حتى الآن أيّة مبادرة مكتوبة، لكنهم يهتمون بتفعيل الحل السياسي ويعدون بدعم الحوار السوري».
الحياة – وطن اف ام