عربي

حمّى الانفصال .. جنوب اليمن على خطا كردستان وكاتولونيا

رفع الحراك المطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله من سقف طموحاته، فوعد أنصاره بتشكيل برلمان للمحافظات الجنوبية، وتنظيم استفتاء على الانفصال، وذلك ضمن موجة استفتاءات أحادية الجانب ضربت مؤخرا أكثر من دولة، منها العراق وإسبانيا.

سنويا، يستثمر انفصاليو الجنوب اليمني المناسبات الرسمية الكبرى، للتذكير بوجودهم على الأرض، وهو ما حدث، السبت الماضي، في الذكرى الـ54 للثورة ضد الاستعمار الإنجليزي للجنوب.

وخلال هذه الذكرى أطلق الانفصاليون ما أسموها “مفاجأة”، وهي وعود بتشكيل “جمعية وطنية” (برلمان) وإجراء استفتاء على استمرار الوحدة القائمة منذ عام 1990 أو الانفصال عن الشمال، في ظل اتهامات للحكومات المتعاقبة بتهميش وإهمال المحافظات الجنوبية.

 برلمان ثالث

وفق محافظ عدن (جنوب) السابق، عيدروس الزُبيدي، الذي يتزعم الحراك الانفصالي منذ تشكيله، في مايو/ أيار الماضي، ما يسمى بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي”، ستتألف الجمعية الوطنية من 303 أعضاء، وستكون “أعلى سلطة مشرعة ” في المجلس الانتقالي.

وسيكون هذا البرلمان هو ثالث برلمان موازٍ في البلد العربي المتشظي، فمنذ أشهر ترتب الحكومة الشرعية لعقد أولى جلسات برلمان موالٍ لها، في العاصمة المؤقتة عدن، لتكوين برلمان موازي لمجلس النواب في العاصمة صنعاء، الخاضعة لسيطرة مسلحي جماعة “أنصار الله” (الحوثي) والرئيس السابق علي عبد الله صالح (1979-2012).

ورغم صغر مساحة محافظات الجنوب الثمان مقارنة بـ14 محافظة في الشمال، إلا أن قادة الحراك الانفصالي أعلنوا أن برلمانهم سيتألف من 303 أعضاء، بزيادة عضوين عن البرلمان اليمني المنتخب عام 2003، حيث يضم 301 عضو من كافة المحافظات.

وكانت محافظات الجنوب تمتلك 55 مقعدًا في البرلمان اليمني، وعقب رفض الحراك الجنوبي ما قال إنه تهميش وإقصاء، وتبني القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني (مارس/ آذار 2013- يناير/ كانون ثانٍ 2014)، تم إقرار 150 مقعدًا للجنوب، بالتساوي مع محافظات الشمال، لكن الحرب الراهن حالت دون تنفيذ نتائج المؤتمر.

وتدور في اليمن حرب بين القوات الحكومية، مدعومة بتحالف عربي تقوده الجارة السعودية، ومسلحي تحالف الحوثي وصالح، المدعومين عسكريًا من إيران.

 انتصار أم ورطة ؟

ويعتبر أنصار للحراك الانفصالي أن وعد تشكيل برلمان ينمثل “انتصارا جديدا على طريق الاستقلال، بينما يرى آخرون أنه “ورطة” لـ”المجلس الانتقالي”، حيث سيضطر إلى حمل ملف صعب، في وقت لم يستطع فيه تشكيل دوائره الخاصة ولا تدشين الفروع الخاصة به في المحافظات.

وكما لو أن المجلس قد أصبح حقيقة، توعد نائب رئيس المجلس الانتقالي، هاني بن بريك، حزب التجمع اليمني للإصلاح (إسلامي)، الذي يتعرض لملاحقات أمنية في عدن، بعدم تمثيله في برلمانهم المفترض.

وقال “بن بريك”، في تغريدة على “تويتر: “الأحزاب المصنفة إرهابية لدى دول التحالف العربي والمجتمع الدولي وما تفرع منها من جمعيات ومنظمات بمختلف المسميات لن يقبلهم الجنوب في برلمانه”.

ويشير “بن بريك” بهذه العبارات إلى الإخوان المسلمين، الذي يعد حزب الإصلاح امتدادا لهم في اليمن، وهو ما يمثل على ما يبدو محاولة من الانفصاليين لاستمالة دول التحالف، ولا سيما السعودية، المناهضة للإخوان.

وأوضح القيادي الانفصالي أن البرلمان المفترض سيضم أبرز القيادات والخبرات الممثلين لمحافظاتهم، وستعقد جلساته في عدن، خلال نوفمبر/ تشرين ثانٍ القادم.

 أزمة جديدة

ووفق مراقبين فإن وعد الحراك الانفصالي بتشكيل “جمعية وطنية” لن يشكل فرقا على المدى الطويل، بل سيؤدي إلى مزيد من التعقيدات في الجنوب.

وقال ماجد المذحجي، المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية (غير حكومي)، إن “تشكيل برلمان سيزيد من التعقيدات في المناطق الجنوبية”.

وتابع المذحجي موضحا، “فخلافا لمشكلة حساسية مستوى التمثيل، حيث يشهد الجنوب مستويات انقسام غير مرئية قائمة على إرث الصراعات القديمة، توجد انقسامات مناطقية لا يمكن تجاهلها ببساطة”.

واعتبر أن “فرص أي مسار باتجاه الاستقلال ضعيفة على أرضيه جنوبية هشة، فإضافة إلى العوامل الإقليمية، والحرب على الإرهاب الذي يعتبر الجنوب أرض نشطة له، لا يوجد طرف في شمالي اليمن أو دولة شرعية يمكن التفاوض معها بشأن الانفصال”.

ومضى قائلا إن “المجتمع الدولي والإطار الإقليمي لا يرحب بأزمة يمنية جديدة، ورغم أهمية القضية الجنوبية لا توجد أي تصورات لحلها حتى الآن”.

وشدد الباحث اليمني على أن القضية “ستكون خاضعة لسقف التحديات الموجودة في اليمن، ولن تذهب باتجاه فك الارتباط، باعتباره تعقيدا هائلا ليسوا (القوى الإقليمة والدولية) بصدد التعامل معه حاليا”.

جذب الأضواء

ولم تقتصر وعود الانفصاليين على تشكيل برلمان فحسب، بل أيضا إجراء استفتاء على الوحدة القائمة بين الجمهورية العربية اليمنية في الشمال، وجمهورية اليمن الديمقراطية في الجنوب،

منذ عام 1990، والتي تعرضت بعد ذلك لهزات كبيرة أفرغت من مضمونها.

وفشلت تجربتا استفتاء من جانب واحد من طرف إقليم كتالونيا في إسبانيا، مطلع أكتوبر/ تشرين أول الجاري، ومن قبل إقليم شمالي العراق، في 25 سبتمبر/ أيلول الماضي.

ومع فشل هاتين التجربتين، وعدم الاعتراف بهما، يبدو أن طموح الحراك الانفصالي بإجراء استفتاء في جنوبي اليمن لن يتجاوز كونه رسالة إلى دول العالم بضرورة الاهتمام بقضية الجنوب.

وقال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، خالد عبد الهادي: “لعل موسم الاستفتاءات الأحادية الجانب في أكثر من إقليم عبر العالم قد حرض عيدروس الزبيدي على إطلاق وعد لأتباعه بتنظيم استفتاء في الجنوب اليمني”.

واعتبر عبد الهادي، في حديث للأناضول، أن “الاستفاءات التي تُجرى من جانب الأطراف الطامحة إلى الاستقلال لا تزيد عن كونها عملية شحن لأشواق الأتباع إلى الذروة وبروفة غاضبة تتجه إلى الداخل، ردا على عدم التفاعل العالمي مع هذا الحلم، إلى جانب أنها تستقطب مزيدا من اهتمام القوى والرأي العام العالمي”.

وشدد على أنه “لا يترتب على هذا النوع من الاستفتاءات سوى تسليط مزيد من الأضواء على القضية المستفتى بشأنها”.

وحتى قبل طرح الفكرة على الشارع الجنوبي أو دول الإقليم والعالم لإبداء الرأي حولها، لم تجد فكرة الاستفتاء إجماعا داخل “المجلس الانتقالي الجنوبي” نفسه، والمفترض أن يكون هو المتبني لها.

وأعلن نائب رئيس المجلس، “بن بريك”، أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، رفضه لفكرة الاستفتاء التي طرحها الزبيدي، قائلا في تغريدة على “تويتر” إن “جهات مشبوهة” تسعى إلى إقناعهم بصلاحيتها وتروج لها.

ومتوعدا بالحرب، تابع “بن بريك”: “الاستفتاء خيار الكرد (إقليم شمالي العراق) أما نحن فخيارنا كان التحرير، لأن أرضنا اجتيحت عنوة، مع إعجابنا بإرادة الكرد، لكن الأمر يختلف معنا، فالشعب قرر التحرير”.

وأثار الخلاف بين القياديين الجنوبيين، الزبيدي و”بن بريك”، جدلا لدى أنصارهما، فيما اعتبره المحلل السياسي عبد الهادي “مجرد مزايدة بين الرجلين حول أيهما يبدو صاحب رؤية أكثر بطولية بشأن مستقبل الجنوب”.

واعتبر أنه “في الوقت الذي قدًر فيه عيدروس أنه بتعهده تنظيم استفتاء قد ذهب إلى أقصى حد ممكن من البطولة، اختار هاني بن بريك القول إن الجنوب يتحرر بالقوة لا بالاستفتاء، انطلاقا من تصوره أن الشعوب الضعيفة تستجدي استقلالها بالاستفتاءات، أما القوية فتفرضه بالقوة”.

وطن اف ام / الأناضول 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى