في ذروة الحضور الإعلامي لتنظيم «داعش» الإرهابي تكررت تصريحات المسؤولين الأميركيين بأن الحرب ضدها تحتاج إلى عشرات السنين، فهذا الفيروس المصنع في غرف المخابرات يراد له عمر طويل، وكون المادة الخام لهذا الفيروس محلية المنشأ وإسلامية الهوية – ظاهرياً على الأقل – لا ينفي إطلاقاً شخصية الصانع، شكل من أشكال العولمة!
ولم يكن خفياً أهداف الحرص على تصنيف التنظيم كدولة حتى أصبحت معظم وسائل الإعلام الغربي وتبعها العربي منه عن قصد أو عن نقل فلا تسميه إلا بتنظيم «الدولة الإسلامية»، فهو تنظيم ودولة! لأن المراد أن يترسخ في الأذهان أن هذه هي «الدولة الإسلامية» وهذه رايتها وأفعالها، والخطاب الإعلامي والتعبوي الذي استخدمه «داعش» أيضاً لم يكن وليد الصدفة أو العفوية، وإن استغل عفوية السذج وهشاشة الفكر والقابلية للاستدراج، الخطاب الداعشي للتنظيم استغل المرويات والشعارات والرايات، مع حفلات القتل والحرق الجماعي المصور الحقيقة منه والمفتعل في الاستديوات، والهدف أن يتماهى مع صورة المسلمين السنة تحديداً، ويصورهم للعالم بهذه الصورة البشعة.
في مقابل هذه المؤامرة الخبيثة، لم يكن هناك استعداد وجاهزية للمواجهة لأن الأخيرة كانت تستلزم حضوراً واعياً وإدراكاً مبكراً لخبث شعار الحرب على الإرهاب، فالحلفاء في هذه الحرب المزعومة ظهروا كمستثمرين لها، خصوصاً مع أرضية خصبة رسختها جرائم تنظيم القاعدة وهجمات 11 سبتمبر في الرأي العام العربي والعالمي.
استخدم «داعش» مثل الكرة البيضاء في لعبة البلياردو تضرب بالعصا لكسر تجمع الكرات الملونة للتشتيت، ليتم بعدها استهداف كل «كرة» على حدة لقذفها في الثقب المناسب. في هذه اللعبة يمكن استخدام كرة لضرب كرة ثانية لتسقط ثالثة.
بلغت ذروة المشهد الدموي في حفلات الإعدام بقطع الرؤوس وحرق الطيار الأردني، لإحداث أقسى صدمة (ضربة) ممكنة. وكان للأغبياء والمغفلين من السذج – على مختلف مستوياتهم – من الذين استسلموا للعاطفة الحمقاء وانصاعوا للشعارات واستغلال المرويات دور في ترسيخ الصورة وإضفاء الهوية الإسلامية السنية عليها.
ماذا بعد تنظيم «داعش» الإرهابي الذي يندحر الآن ويتبخر في الموصل؟ تركت القوات الأميركية والعراقية ممرات آمنة للتنظيم باتجاه سورية وربما تتجه إلى تركيا ومن المرجح أن تظهر بؤر له في مختلف الدول العربية المستهدفة، ولأن صورة «داعش» لم تعد جاذبة للمغفلين بعد الانكشاف سيتم اختيار أسماء جديدة.
تم الغوص في أحداث التاريخ الإسلامي لتستغل المرويات ويعاد توظيفها لجاذبيتها في الذهنية الإسلامية وإضفاء «الشرعية» عليها، فهي أفضل كرة لكسر ما تبقى من الكرات المتجمعة.
وليس من المصادفة أن تكون الاستخبارات الأميركية مستعدة لذلك، فقبل ما يزيد على العامين حذر مسؤولون فيها من تنظيم أكثر وحشية من «داعش»، ليظهر على السطح اسم «تنظيم خراسان» في جولة مستقبلية من استثمار القوى الكبرى لما أطلق عليه زوراً «الحرب» على الإرهاب.
المصدر : الحياة