حلبمقالات

حسين عبد العزيز – مؤامرة تدمر

ثمّة أسئلة واستفسارات كثيرة تطرح حول سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بهذه السرعة على مدينة تدمر في سورية، وتتضاعف الأسئلة مع التقارير المؤكدة عن ترك النظام مستودعات ومعدات ثقيلة من الأسلحة خلفه، بُعيْد انسحابه السريع من المدينة. هل هي مؤامرة من النظام لإعادة تقوية التنظيم، عقب خسائره في سورية والعراق؟ ولماذا يخاطر النظام بالتخلي عن مدينةٍ، مثل تدمر، التي تسمح لمن يسيطر عليها بالانقضاض على حقول الغاز، ومن ثم على قواعد عسكرية مهمة جداً، مثل مطار T4؟ قد تبدو الأجوبة بسيطة لمن يتبنى مواقف مسبقة، مؤيدة أو معارضة للنظام.

ولكن، ثمة معطيات يجب التوقف عندها، من أجل قراءة هذا التطور الذي قد يؤدي إلى تغير في الخرائط العسكرية، وتتعدى نتائجها الميدانية الحدود الجغرافية لتدمر ومحيطها:

أولاً، لم يكن هجوم التنظيم على المدينة مفاجئاً، فقبل ثلاثة أيام من دخوله لها، شنّ هجمات عدة على محيطها، في مؤشر واضح على نيته دخولها، وهذه المدة كافية للنظام وحلفائه، وتحديداً الروس للاستعداد لصد هجوم التنظيم، وهو ما لم يحصل. وقول بعضهم إن الطيران الروسي وقوات النظام قاما بدورهما بصدّ الهجوم، لكن رداءة الطقس الجوي وضعف الغطاء الجوي الروسي هو الذي أدى إلى انتصار التنظيم، لا يستقيم مع الوجود العسكري للروس والنظام في المنطقة.

ثانياً، توقف الطائرات الروسية عن قصف التنظيم داخل المدينة، باعتراف الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناشينكوف، بحجة وجود مدنيين، على خلاف ما جرى في حلب، حيث كثفت موسكو قصفها فصائل المعارضة داخل الأحياء المدنية، وتدمير بنيتها الخدمية، مثل المستشفيات.

ثالثاً، تفجير النظام بعض مستودعات الأسلحة، وترك أخرى كما هي، فضلاً عن تركه معدات حربية ثقيلة (مضادات دروع وطيران عالية النطاق، عشرات الدبابات، ناقلات جنود، مضادات طيران عيار 122ملم وعيار 23ملم) استحوذ عليها التنظيم، وكان يمكن تدميرها خلال الثلاثة أيام الفاصلة بين بدء الهجمات ودخول المدينة.

رابعاً، توقيت الهجوم على تدمر الذي يأتي بعد أيام قليلة من بدء معركة الباب على يد قوات “درع الفرات” المدعومة من تركيا، بعدما حسم أمر المدينة لصالح فصائل “الجيش الحر”، نتيجة تفاهمات روسية ـ تركية ـ أميركية، بمعزل عن موافقة النظام كما يبدو.

بناء على هذه المعطيات، تبدو عملية تدمر العسكرية والانسحاب السريع لقوات النظام كأنها خطة مدروسة بعناية، لتحقيق مكتسبات ما. لكن، ما هو الثمن الذي ستحصل عليه دمشق من تسليم المدينة، والمخاطرة بخسارة مواقع ذات بعد استراتيجي في معادلة الميدان العسكرية؟ المدينة تسمح لمن يسيطر عليها أفضلية بالتحرك نحو منطقة القلمون أولاً (القريتين، حوارين، مهين، صدد)، وهي مناطق ذات خصوصية عسكرية، كونها قريبة من الأوتوستراد الدولي دمشق ـ حمص، الأمر الذي يهدّد قلب وشريان المناطق الحيوية لسيطرة النظام بين العاصمة والساحل أولاً، والتحرّك من الغوطة الشرقية إلى ريف دمشق ثانياً، وريفي السويداء ودرعا جنوباً ثالثاً، كما تشكل عمقاً جغرافياً للتنظيم في دير الزور رابعاً. وتسمح السيطرة على المدينة للتنظيم أيضاً بالإطباق على مطار T4 الاستراتيجي، أحد أهم المطارات العسكرية في سورية (25 كلم عن حقل شاعر الغازي) والاقتراب من مطار الشعيرات العسكري جنوب شرقي مدينة حمص.

ولذلك، لن تسمح دمشق وموسكو للتنظيم من البقاء في المدينة ومحيطها، وأغلب الظن أن النظام سيسترد، بدعم من الطيران الروسي، المدينة ومحيطها، فلن يكون في مقدوره تحمل تكاليف خسارة تدمر التي هلل لها كثيراً، حين استعادها من التنظيم نهاية مارس/ آذار الماضي، كأهم نصر عسكري بعيد التدخل العسكري الروسي في سورية.

ثمة هدفان يحاول النظام تحقيقهما من عملية تدمر، إذا صحّت هذه القراءة:

إعادة تقوية تنظيم الدولة عسكرياً، بترك أسلحة نوعيه له، لاستخدامها في حربه في مدينة الباب ومحيطها ضد “درع الفرات” الذي يعتبر العدو الأخطر للنظام في هذه المرحلة، إذ لا يفضل النظام إطلاقاً أن يرى مدينة الباب بأيدي “الجيش الحر”، ضمن منطقة جغرافية أصبحت محسوبة على تركيا، وتشكل عمقها القومي.

إعادة تذكير العالم بمخاطر تنظيم الدولة الإسلامية، وإعادة التذكير أيضاً بالمعادلة التي عمل عليها سنوات (النظام أو الإرهاب)، ولا مصلحة لدمشق وموسكو من القضاء على التنظيم نهائياً، لأن سؤال اليوم التالي لما بعد “داعش” سيكون أصعب. 

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى