الرقةمنوعات

إيزيدية عراقية ناجية من “داعش”: هذا ما فعله بنا التنظيم

قصص الناجيات من تنظيم “داعش” تسمعها وكأنك تشاهد فيلماً سينمائياً أو أنك تقرأ رواية تتناول “استعباد البشر”، ولعل ما تعرضت له الشقيقتان الإيزيديتان “غزال وبيزار” ما هو إلا فصلاً من فصول هذا العمل.  

في إحدى الشقق السكنية، بضواحي دهوك، شمالي بغداد، تجلس كل من غزال (28 عاماً)، وبيزار (24 عاماً) تقلبان مع شقيقهن المتبقي معهن من العائلة التي تشردت، صفحات ذكريات من “العذاب والموت” عاشتاها على يد تنظيم “داعش” خلال فترة اختطافهن على مدار تسعة أشهر.  

تقول الشقيقة الكبرى للأناضول: “كان عمري 9 سنوات عندما توفي والدي، ولم تنتظر والدتنا كثيراً حتى تزوجت من رجل آخر، وتركتنا مع أعمامنا وعماتنا، تحملتُ أنا مسؤولية رعاية أشقائي الثلاثة وشقيقتي الوحيدة بيزار”.

وتمضي قائلة: “الآن شقيقاي أحدهم طالب في كلية الطب، والآخر في كلية الهندسة، أسرى لدى داعش بمكان ما، وغالبية أعمامي وعماتي وعوائلهم أسرى أيضاً، وعددهم يقدر بنحو 70 شخصاً. لا نعرف شيئاً عنهم”.

واستولى تنظيم “داعش” على قضاء سنجار، غربي الموصل (شمال)، والمناطق المحيطة به، في أغسطس/ آب ٢٠١٤، وقام باحتجاز عدد كبير من الإيزيديين نساءً ورجالاً، وترددت أنباء عن معاملة مقاتلي التنظيم، للنساء باعتبارهن “جواري”، وباعوا بعضهن في الأسواق.  

ويعتبر التنظيم، الإيزيديات من “غنائم الحرب”، وتسمح وثيقة صادرة عن ما تسمى “دائرة البحوث والفتوى” التابعة للتنظيم، بشراء النساء أو بيعهن أو تقديمهن كهدايا.  

وتفاقمت الأزمة الإنسانية في العراق منذ صيف العام الماضي، باجتياح التنظيم، العديد من المناطق في البلاد، وسيطرته على مساحات واسعة من الأراضي، وخاصة في الشمال، قبل أن يستولي على مناطق أخرى في الغرب.

غزال وفي حديثها مع “الأناضول”، رفضت تصوير وجهها، ووجه شقيقتها، بسبب حرصهما على عدم إلحاق الأذى بأقربائهم الذين ما زالوا في قبضة التنظيم، كما تقول الشقيقة الكبرى.  

حكاية “الموت” في معاقل “داعش” ترويها غزال وصوتها يكاد يختنق كلما استرجعت شريط الذكريات: “قصة اعتقالنا ونقلنا من معتقل لآخر قصة طويلة جداً، لكنني أذكر أنهم نقلونا من سنجار إلى تلعفر ومنها إلى الموصل، وبين فترة وأخرى كان يحضر عناصر التنظيم ليشتروا من يرغبون بها”.  

وتستطرد: “معاملتهم للمعتقلات كانت سيئة جداً، وكانوا يشتمون دينهن، ويعتبرون أنفسهم أنهم يرضون الله في استباحتهم لشرف الإيزيديات”.  

والإيزيديون (أو اليزيديون)، مجموعة دينية، يعيش أغلب أفرادها قرب الموصل، ومنطقة جبال سنجار، ويقدر عددهم بنحو 600 ألف نسمة، بحسب إحصاءات غير رسمية، وتعيش مجموعات أصغر في تركيا، وسوريا، وإيران، وجورجيا، وأرمينيا.  

وبحسب باحثين، تُعد الديانة الإيزيدية من الديانات الكردية القديمة، وتُتلى جميع نصوصها في مناسباتهم وطقوسهم الدينية باللغة الكردية.  

وعقب مرور نحو شهرين من اختطاف الشقيقتين، علمتا من حديث عناصر التنظيم فيما بينهم، أنه تم نقلهما إلى الرقة، شمالي سوريا، ووضعهن في مكان صحراوي “موحش”.  

تضيف غزال: “بعد بضعة أيام علمت من أحدهم أن شخصاً لقبه أبو مصطفى قد اشترانا، وفيما بعد أدركت أنه والي حمص في التنظيم، وكان سوري الجنسية، ثم باعنا إلى شيشاني الجنسية يُلقب بأمير الصحراء، وكان قائداً عسكرياً، والأخير باعنا لمغربي يُدعي أبو يوسف يبلغ من العمر نحو 60 عاماً، ثم تم بيعنا إلى تونسي اسمه أبو دجانة عمره بحدود 25 سنة، والأخير باعنا إلى مغربي آخر اسمه أبو زبير وعمره 20 سنة، والذي باعنا بدوره إلى سوري، قبل أن نتمكن من الهروب في شهر أبريل (نيسان) الماضي”.  

تتوقف برهة وتتنهد ثم تمضي في سرد حكايتها قائلة: “الاعتداءات لم تكن تتوقف، والإهانات الجسدية والنفسية، أذكر أن الإرهابي التونسي أبو دجانة عرض عليّ أن أغير ديانتي، وقال إنه أُعجب بذكائي، ويرغب بأن يتزوجني، فرفضت، ووضع مسدسه برأسي وقال: سأقتلك، أجبته: افعل ذلك كي أتخلص من إهانتاكم، لكنه لم يفعل”.  

وأردفت بالقول: “الإرهابي المغربي المدعو أبو يوسف، اكتشفت فيما بعد، أن وصيته كانت قبل مقتله في غارة جوية، أن يتم بيعنا وتحويل المبلغ لعائلته بالمغرب، ولا أعلم المبلغ الذي أوصى به”.  

وبحسب غزال فإن “غالبية أفراد تنظيم داعش لديهم جوزات سفر مزورة”، مستدركة بالقول:” خلال وجودي لدى أحد الذين اشتروني، اطلعت على جهاز حاسوبه بشكل سريع، ورأيت قوائم بأسمائهم (لم تذكرها)، وعدد الجوازات التي بحوزة كل منهم، إنهم يتنقلون بكل سهولة بين الكثير من البلدان (لم تذكرها أيضاً)”.  

فصل آخر من رحلتها مع “الاستعباد” تسردها هذه المرة مع الشيشياني “أمير الصحراء” “الذي كان يأتي إليها شاهراً سكينه، ويقول لها: أنتم الإيزيدية كفرة.. سأذبح أي إيزيدي التقيه، دمكم حلال”.  

أما زوجته الشيشانية، فتقول الإيزيدية الناجية عنها: “كانت تطلب مني أن أجلب لها ماء فاتراً، وأغسل وأدلك قدميها، وكانت تعاملني باستعلاء واضح”.  

وتتابع: “ذات مرة سألتها: كيف تقبلين أن يفعل زوجكِ بنا ما يفعله، ألا تشعرين بالغيرة أو الانزعاج؟، فردت: كلا أبداً.. هذا من حقه وفق الشرع الإسلامي أنتِ سبيته، ومن حقه أن يفعل ما يشاء بكم”.  

خططت غزال للهروب، عقب شرائها من سوري في مدينة الرقة، بعدما تمكنت من كسب ود ابنته الصغيرة البالغة من العمر 13 عاماً، وغافلتها عدة مرات، واستخدمت حسابها الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” للتواصل مع شقيقها، إلى أن تمكنت من الفرار، في شهر أبريل/نيسان الماضي، مرتدية وشقيقتها نقاباً، وانطلقنّ باتجاه المناطق الشمالية، ليعبرنّ خلال مسيرة 3 أيام مناطق سيطرة التنظيم، والوصول لهدفهن(شقيقهن).  

“غزال وبيزار” ستصلان قريباً، إلى ألمانيا، في رحلة علاجية، كما قالت الأولى، ويستبعدن العودة إلى العراق مرة أخرى “ما لم يتم طرد تنظيم داعش بالكامل، وتأمين حماية دولية للإيزيديين ومحاسبة كل من تورط في اجتياح مناطق تواجدهم، وفي أعمال “القتل والخطف والسبي”.

المصدر : الأناضول

زر الذهاب إلى الأعلى