الرقةمقالات

ميرفة شيبنم – ثمن مشروع السيل التركي الروسي.. عراقي أم سوري؟!

العيون على العراق، وقد وضعت عملية الموصل على جدول الأعمال فهل ستتحقق أو لن تتحقق؟ ومن سيشارك بها في حال بدأت؟ المليشيات الشيعية أو حزب العمال الكردستاني؟ وهل هناك خطة أميركية من اجل العملية؟ وماذا سيكون الموقف التركي؟ وكيف سيؤثر التوتر في العلاقات التركية العراقية الناشب عن أزمة مخيم بعشيقة على العملية؟

ومنذ الأسبوع الماضي ونحن نحاول الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها وقد ناقشناها في كل الأنحاء ومن الواضح أن الولايات المتحدة وتركيا قد اتفقتا على أن لا يتفقا حول الملف العراقي.

فبعد فشل محاولة الانقلاب في 15 تموز قامت تركيا بقيادة عملية درع الفرات على الأراضي السورية وعلى ما يبدو الآن أن الولايات المتحدة تحاول إدارة عملية الموصل من بغداد وتحاول الضغط على تركيا عن طريق الحكومة المركزية في بغداد.

ولكن ومن ناحية أخرى نستطيع ان نلمس التقارب بين روسيا وتركيا “ما غير قواعد اللعبة ” والذي يجعل الوضع حرجاً أكثر، وكما نعلم ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتن قد أتى إلى اسطنبول في هذا الأسبوع للمشاركة في المؤتمر العالمي للطاقة.

وقد أجري اجتماع مهم بين بوتن والرئيس رجب طيب اردوغان وقد كثرت العناوين المراد نقاشها بين الزعيمين مثل تخفيض سعر الغاز الطبيعي وايرادات الحمضيات ومحطة المفاعل النووي “اكويو” والتعاون في مجال الدفاع والطلب الروسي لعمل تركيا دراسات في الفضاء وقد أعلن أيضاً عن توقيع مشروع السيل التركي.

والذي يجعل من هذا الاجتماع اجتماع تاريخي هو مشروع السيل التركي فلو لم يكن يحوي هذا الاتفاق على رسائل سياسية فإن اكتمال هذا الاتفاق يعد مؤشراً على عودة العلاقات التركية والروسية الى وضعها الطبيعي.

فدعوني اشرح السبب، ففي عام 2009 قد تم توقيع اتفاقية بين حكومات الدول لنقل غاز آسيا الوسطى والشرق الأوسط إلى أوروبا عبر الأراضي التركية عن طريق خط الغاز “نابكو” وسيوفر هذا الخط بديل عن الغاز الروسي الذي يتم شحنه إلى أوروبا مما سيؤمن للدول الأوروبية كسر اعتمادها على الغاز الروسي ولهذا السبب لقي المشروع دعماً من الولايات المتحدة والدول الأوروبية.

وبالطبع كان هذا الموضوع ليس لمصلحة موسكو فقد كانت روسيا قد بدأت بوضع خط أنابيب نقل الغاز بعد أن أجرت مباحثات مع ألمانيا على نقل الغاز الروسي إلى أوروبا عن طريق بحر البلطيق ضمن مشروع أسمته السيل الجنوبي.

وافتتح القسم الأول من خط أنابيب نقل الغاز في تشرين الثاني من عام 2011 وكانت روسيا تريد أن تفتح خط ثاني لنقل الغاز تحت اسم السيل الجنوبي ايضاً.

والسيل الجنوبي كان سينقل الغاز من البحر الأسود إلى بلغاريا ومن هناك وعن طريق صربيا وهنغاريا وسلوفينيا إلى أوروبا وكان هذا هو جواب روسيا عن خط الغاز “نابكو” وبدأت ببناء الخط في كانون الثاني من عام 2012.

ومع ذلك فقد أدى التوتر بين الدول الأوروبية وروسيا الناتج عن الازمة الأوكرانية إلى إلغاء المشروع ومن بعد العقوبات الاقتصادية الشديدة التي فرضتها الدول الأوروبية على روسيا تم إلغاء الاتفاقية من الطرف الروسي في كانون الأول من عام 2014.

وفي الوقت نفسه قد زار بوتن تركيا وأجرى مباحثات مع الرئيس اردوغان وأخبره عن إلغائهم لمشروع السيل الجنوبي وعن نيتهم لفتح خط غاز جديد واسم هذا الخط السيل التركي.

وعلى الرغم من أن تركيا بلد فقير من حيث الطاقة لكنها قيّمة جداً في توزيع الطاقة عن طريق أنابيب الطاقة التي تمر عبر موقعها الجغرافي ولذلك هي من أحد البلدان المرشحة لان تكون لاعب أساسي في السوق.

فمع الغاز المتدفق منذ زمن طويل عبر خط أنابيب الغاز الطبيعي “شاه دينيز” عبر بحر قزوين وخط انابيب الغاز الطبيعي تركيا-إيران  وتركيا-العراق ومع خطوط البترول “تاناب” و “تاب” بالإضافة الى مشروع السيل التركي . بهذا سوف تبدأ تركيا في أن تكون صاحبة كلمة كبيرة في سوق الطاقة.

عدا عن أن الدولتين اللتين يتنافسان منذ مدة طويلة على نقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا وكانتا تتجاوزان بعضهما البعض سيعملان بشكلٍ مشترك في هذا الصدد.

تم تعليق مشروع السيل التركي في 2015 من بعد ما دخلت العلاقات الثنائية في جمود منذ اسقاط الطائرة الروسية التي انتهكت الأجواء التركية.

ومع توقيع اتفاقية مشروع السيل التركي ومع كل الاهتمام الكبير والإثارة التي أحدثها فمن المحتمل جداً أن لا يحدث هذا المشروع.

فإن الكثيرين يقيمون هذا الاتفاق على أنه رسائل تهديد سياسية تجاه الدول الأوروبية الحليفة لتركيا والتي تشعر تركيا منذ سنتين بالخذلان من مواقفهم تجاهها بالإضافة إلى غضب أوروبا من روسيا تجاه موقفها من الازمة الأوكرانية.

بالإضافة الى موقف الدولتين المختلفين تماماً تجاه القضية السورية ومع سبب وجود تركيا ضمن حلف الشمال الأطلسي مما يجعل البلدين غير واثقين من بعضهما فإن إبطال المشروع أمرٌ طبيعي جداً.

ولكن الأمور تغيرت من بعد محاولة الانقلاب في 15 تموز فإن تركيا تواجه هجوم مكثف من الولايات المتحدة الأميركية.

فالولايات المتحدة تتصرف وكأنها لا ترى الخطط التي أعدتها التنظيمات الإرهابية الثلاث تنظيم “فتح الله غولن” وتنظيم “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي” وتنظيم “داعش” للضغط على تركيا فعليها ايضاً أن لا ترى خصمها الذي بقي من الحرب الباردة.

ولذلك واعتباراً من شهر أيار بدأت إعادة التطبيع بين العلاقات الروسية والتركية وقد كسبت هذه العلاقة زخماً كبيراً من بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ووصلت إلى هذه النقطة.

وكما يقولون الضربة التي لا تقتلك تجعلك قوياً أكثر ولذلك وصلت العلاقة بين البلدين اليوم الى إنشاء أساس للوقوف عليه أكثر متانةً من ما كانت عليه من قبل إسقاط الطائرة الروسية ولذلك فإن الفرصة في هذه المرة لإتمام الاتفاق بين البلدين أكبر بكثير من المرة الماضية.

ولكن عندما تضع الولايات المتحدة هذه التطورات ضمن التطورات التي تضر بمصالحها لن تقف مكتوفة الايدي تجاهها.

أي كيف سيتم نقل الغاز الموجود في البحر الأبيض المتوسط الى أوروبا؟

واليوم سوف يتم مناقشة ذلك في اجتماع سيكون بين وزير الطاقة الإسرائيلي “ياول ستينيتز” الذي أتى إلى تركيا وبين وزير الموارد الطبيعية التركي “بيرات البيرق”

ولنرى عندها كيف ستؤثر هذه التطورات على المشهد في الشرق الأوسط.

المصدر : صحيفة يني شفق التركية ؛ ترجمة وتحرير وطن اف ام 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى