لن يطول الامر، معركة تحرير الموصل من قبضة “داعش” ستحسم قريبا. فليس من عادات التنظيم ان يقاتل في المدن ويستميت في الدفاع عنها. هكذا فعل في الرمادي والفلوجة وتدمر، بالنسبة اليه خسارة الارض ليست هزيمة. سيخرج التنظيم وستطوي المدينة صفحة قاسية من تاريخها لتفتح صفحة جديدة يتمناها أهل الموصل أفضل لكن ملامحها قد لا تفي بالامنيات.
الحشود العسكرية تتدفق من كل حدب وصوب نحو الموصل تحت شعار القضاء على الارهاب في أبرز معاقله. لكن لكل حشد قضيته ومراميه. ولعل أقلها أهمية القضاء على “داعش” الذي سيمضي الى الصحراء تاركاً خلفه كل الاحتمالات المفزعة. وتكاد التناقضات بين المحتشدين والتنافس على تصدر المواجهة ان تفجر صراعاً بينها أشد من الصراع مع المقاتلين المتمترسين في الداخل. والوحدات المحتشدة لا تحمل السلاح فحسب بل أيضاً المشاريع المتناقضة والمتعارضة.
المدينة ومحافظتها المتنوعة طائفياً واتنياً، ستكونان مختبرا لكل أنواع النزاعات والحسابات الفئوية الخاصة. الحشد الشعبي له رؤيته التي تعبر عن الرؤية الايرانية. ومن الواضح ان ظاهر رؤية العرب السنة وباطنها يتقاطعان مع الرؤية التركية، في حين لا يخفي الاكراد سعيهم الى مد اقليمهم شبه المستقل على اوسع رقعة جغرافية ممكنة تشمل الماء والنفط. كما تتطلع الاقليات الاخرى الى اقليم خاص يحظى ضمناً بحماية دولية ضمناً. ويبقى الغائب الاكبر الرؤية الوطنية العراقية الشاملة.
وعندما تصر انقرة على مشاركة جيشها مباشرة، فهي لا تريد حماية التركمان وحلفائها من سنة المدينة فحسب، بل ايضا اخراج حزب العمال الكردستاني من سنجار لإضعافه في شمال العراق والحد من توسع النفوذ الايراني الى مناطق في اقصى الشمال العراقي على الحدود مع تركيا. أما ايران، فلا تريد للتركي ان يكون شريكاً آخر لها في صنع قرار العراق، وبوجود حلفائها هناك تسعى الى استعادة طريق التواصل البري بينها وبين سوريا بالسيطرة على تلعفر، معقل التركمان والممر الاجباري الذي قطعه “داعش”. وعلى رغم أن واشنطن قدّمت ضمانات لأنقرة لعدم السماح للحشد الشعبي بدخول قلب الموصل، فانها في الوقت نفسه أعربت عن عزمها على ترك تلعفر للميليشيات نفسها.
في الموصل ونينوى، لا يمكن تجاهل صراع النفوذ بين تركيا وإيران في سوريا والعراق. فمن يحظى بحصة في المدينة ومحيطها يحظى بحصة في بغداد وقرارها وحكومتها، لا بل أيضاً يحظى بمقعد اثير الى طاولة التفاوض على الاقليم. وفي الموصل أيضاً، لا تسعى واشنطن الى استعادة دورها الملتبس في العراق، بل الى إقامة توازن فاعل مع الدور الروسي في سوريا من طريق التحكم بالممرات الحدودية والقدرة على التاثير في الشرق السوري السائب. في الموصل معركة معلنة على “داعش”، وفي خلفياتها حروب مستترة كثيرة.
المصدر : النهار