لم تلتحق حلب بالمدن السورية، التي ثارت على حكم بشار الأسد إلا في وقت متأخر نسبياً، قياساً إلى المدن التي سبقتها إلى ذلك، مثل درعا وحمص وحماة وإدلب وديرالزور والرقة. وظل النظام يعتبر عدم انشقاق حلب نقطة قوة أساسية، تُحسب لاستقراره، لأسباب كثيرة، منها أن حلب هي عاصمة الشمال السوري ككل الذي يشكل جناح سورية الثاني.
وأنها مدينة تمتد على مساحة جغرافية واسعة، وتشكل مركز الثقل الحدودي مع الجارة تركيا، وهذا البُعد يمتد في التاريخ المشترك والتبادل التجاري عبر العصور، وتتدخل فيه عوامل بشرية وجغرافية، ظلت في كل الظروف تؤثر في الوضع السوري، سلباً وإيجاباً.
ومثلما أحدث انضمام حلب للثورة انعطافاً كبيراً في مسيرتها وخطها البياني، فإن محاولة الروس والنظام إسقاطها رهان يجري التعويل عليه، لإنهاء الثورة السورية، ذلك أن المدينة لا تزال تشكل، حتى اليوم، واحداً من أكبر معاقل الثورة الذي يوازي، في أهميته، ثقل الجنوب وريف دمشق، اللذين لا يزالان صامديْن في وجه حرب الإبادة التي يشنها الاحتلالان، الروسي والإيراني، ضد فصائل الثورة السورية.
فتح الروس معركة حلب، مع انطلاق مباحثات جنيف في نهاية الشهر الماضي، وهم يواصلون خوضها بشراسة كبيرة، واضعين في حسابهم قضية حسمها، قبل العودة إلى طاولة المفاوضات المقررة في الخامس والعشرين من الشهر الحالي.
وهم يهدفون من ذلك إلى تحقيق أكثر من إنجاز. الأول رمزي، وهو أن إسقاط آخر المدن التي التحقت بالثورة سوف يعني الدخول في العد العكسي في اتجاه خاتمة النهاية للثورة، وهذا ما يفسر العنف غير المسبوق المسلط على المدنيين الذين يشكلون حاضنةً للثورة، وقد تبين، في الأيام الأخيرة، أن الروس يمارسون الأساليب الإسرائيلية في ضرب الحاضنة الشعبية في ريف حلب، لتنفض عن الثورة. والرسالة الثانية موجهة إلى تركيا، بضرب الفصائل القريبة منها، وإغراقها بمزيد من اللاجئين، ومنعها من القيام بأي تحرك، عسكرياً كان أو لإغاثة المدنيين من خلال إقامة منطقة آمنة، بالإضافة إلى تمكين القوات الكردية من ربط المناطق التي تسيطر عليها، لتصبح على اتصال من أقصى شرق سورية على الحدود العراقية السورية وحتى مدينة حلب.
وهذا يعني إقامة شريط حدودي كردي، تحت سيطرة حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، فرع حزب العمال الكردستاني التركي الذي تخوض أنقره ضده حرباً شعواء، وباتت تعتبر أنها ألحقت به ضربة كبيرة في الفترة الأخيرة. وتعد هذه النقطة من أبرز نقاط الخلاف بين أنقرة وواشنطن، وبات المسؤولون الأتراك، على أعلى المستويات، يجاهرون بها، ولا يتحرجون من توجيه الاتهام لواشنطن في أنها اختارت صف الأكراد، على الرغم من العلاقات التاريخية بين تركيا والولايات المتحدة، ومع أن الأكراد يحركهم الروس، وعلى صلة بنظام الأسد وتنسيق ميداني معه. وبناء على ذلك، فإن أكثر طرف يقف أمام امتحان تغيير الخريطة في حلب هو تركيا، التي ستجد نفسها في حرب استنزافٍ جديدةٍ مع حزب العمال الكردستاني، الذي بات يسيطر على شريط كبير داخل سورية، ويشكل قاعدة لحرب مفتوحة ضد أنقرة.
هناك متضرّر رئيسي من الهجوم الواسع على حلب هو المعارضة المعتدلة، التي خسرت الكثير في الأيام الأخيرة، ويطمح الروس من خلال تصفيتها على الأرض، قبل الجولة الجديدة من جنيف، إلى سوق وفد المعارضة إلى طاولة المفاوضات بشروط النظام، من أجل توقيع وثيقة استسلام الثورة.
بالإضافة إلى الأكراد والنظام السوري، سيكون هناك مستفيد آخر، هو داعش، الذي حافظ على قوته في مناطق واسعة من ريف حلب، تؤمن قاعدته الرئيسية في الرقة.
المصدر : العربي الجديد