حلبمقالات

طارق الحميد – الخوف من التحرير!

من اللافت في منطقتنا أن تخشى المناطق الواقعة تحت سيطرة «داعش» من التحرير على يد قوات «النظام»، وتتجلى تلك الحالات في العراق وسوريا، والعراق يعد نموذجا صارخا، لأن المناطق المراد تحريرها الآن سبق أن سقطت بيد «القاعدة» من قبل، وحررت، وها هي الآن بيد «داعش»، ويراد تحريرها مجددا!

وهذا لا يعني أن سكان تلك المناطق الواقعة تحت سيطرة «داعش» متطرفة أو ترحب بالمتطرفين، لكنه الخوف من بطش ما يفترض أنها «قوات نظامية»، بينما هي في الحقيقة ميليشيات إيرانية، مثل «حزب الله» بسوريا، وغيره من المرتزقة الإيرانيين، والأفغان، وكذلك الحشد الشعبي في العراق، وكلاهما تحت قيادة إيرانية، ودائما ما تتباهى طهران بدور الجنرال قاسم سليماني هناك! عراقيا، اليوم الفلوجة تحت الحصار لتحريرها، وسبق أن حررت من «القاعدة»، لكن من غير المقنع القول بأن الفلوجة منطقة متطرفة، وبالتالي من السهل سقوطها بأيدي الجماعات المتطرفة. الحقيقة أن المعالجة العراقية، ومثلها بسوريا، هي ما تسهل سقوط المدن، ومهمة الجماعات المتطرفة، حيث لا حلول سياسية جادة، ولا وقف للطائفية، مثل العراق، ولا وقف لآلة القتل الأسدية – الإيرانية بسوريا.

وأبسط دليل على أن تلك المناطق التي تقع بيد «داعش» غير متطرفة بالضرورة هو ما يحدث في بغداد مؤخرا، وهي التي تبعد 50 كيلومترا عن الفلوجة التي تقول الأمم المتحدة، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، الشهر الماضي إن سكانها يواجهون نقصا حادا في مخزونات الغذاء والدواء وسط حصار القوات الحكومية! وعندما نقول ما يحدث في بغداد فالجميع يرى كيف أن حكومة العبادي تجاهد لضبط الأمن هناك، وحماية المنطقة الخضراء التي اجتيحت مرتين، فهل بغداد متطرفة أصلا، وقابلة للسقوط بيد الإرهابيين؟ والأمر نفسه في دمشق، فلولا القبضة الإيرانية الأمنية هناك على الأرض، والحماية الجوية الروسية، لسقطت دمشق منذ عامين أو أكثر، فهل أهل دمشق متطرفون أيضا؟

ولذا فالقصة ليست بأن التطرف كامن في الفلوجة، أو الأنبار، عراقيا، أو الرقة، وغيرها سوريا، بل بسبب أن الحلول غير حقيقية، ولا جادة، وطالما أن هناك تطرفا طائفيا، وتدخلا إيرانيا، وقتلا، فإن الأمور ستنتكس من وقت لآخر، وكل ما يحدث الآن، بالعراق وسوريا، ما هو إلا إجراءات شكلية تجميلية، وسيظل العنف، والتطرف سيد المشهد، لأن سكان تلك المناطق مخيرون بين الموت الطائفي، أو الموت بسبب التطرف، وكلاهما يؤدي إلى اليأس، والنفور، مما يسمى سلطة الدولة، خصوصا عندما تكون الدولة هشة، وتتلحف علما طائفيا، مثل علم إيران، وشعاراتها البالية. ومن هنا، وطالما أنه لا يوجد وقف حقيقي لآلة القتل الأسدية – الإيرانية في سوريا، ولا إصلاح سياسي جذري في العراق فإن حمام الدم لن يتوقف، للأسف، وستسقط المدن ولو حررت، لأنها ستحرر من قمع لتسقط في يد قمع آخر.

المصدر : الشرق الأوسط 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى