حلب هي رقعة الصراع الاقليمي والدولي في لحظة سياسية دقيقة للأطراف المعنيين. فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان يهمه أن يثبت أن المحاولة الانقلابية لم تؤثر على سياسته حيال سوريا. ودول الخليج العربية لن تستسيغ عودة حلب تماماً الى كنف النظام السوري. أما روسيا وايران فتريدان وقائع ميدانية على الارض تقوي أوراقهما التفاوضية عندما يحين موعد الحوار. أما بالنسبة الى النظام فإن حلب تعزز جدار الحصانة لدمشق.
منذ أكثر من سنة تجري التهيئة لمعركة حلب من الجانبين. ولو لم يبادر النظام الى فرض الطوق على الاحياء الشرقية بوصوله الى طريق الكاستيلو، كانت الفصائل المعارضة وفي مقدمها “جبهة النصرة” المتحولة الى “جبهة فتح الشام” ومن خلفها الولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج العربية، تعد العدة للاستيلاء على حلب لتبعث برسالة لا لبس فيها الى النظام وروسيا وايران بأن اللعبة انتهت في سوريا وان دورهما بات محصوراً في كيفية إقناع الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي.
ولأن النتائج السياسية التي ستترتب على معركة حلب بهذا الحجم سواء بالنسبة الى المعارضة وداعميها أم بالنسبة الى النظام وروسيا وايران، فإن كل الاطراف يزجون بكل قواهم في معركة من شأنها حسم وجهة الحرب في سوريا كلها والتأثير على سياقات ما يوصف بالحل السياسي.
ولهذا لا يبدو أن كل المواعيد المضروبة لمعاودة حوار جنيف قابلة للتحقق قبل أن ينجلي غبار المعركة في حلب. وحتى التفاهمات الاميركية – الروسية على غرار تلك التي قامت في شباط الماضي، باتت مستحيلة قبل الحسم في حلب. ومن الواضح ان روسيا لم تعد تأمن الدعوات الاميركية لوقف النار في الوقت الذي كانت المعارضة هي المستفيدة من كل هدنة للملمة صفوفها والهجوم من جديد. ولا يبدو أن الولايات المتحدة في صدد تلبية المطلب الروسي وضع “جبهة النصرة” على لائحة الاهداف المشتركة للغارات الروسية والاميركية. إذ لا تزال واشنطن توظف ورقة “النصرة” بقوة في مواجهة النظام السوري ولو كانت الجبهة مصنفة على لائحة الارهاب الاميركية وتؤوي في سوريا الكثير من القيادات المخضرمة لتنظيم “القاعدة”.
ان العودة الروسية بقوة الى حلب أملاها التهرب الاميركي من التعاون مع موسكو في سوريا ميدانياً، الامر الذي لا يجد تفسيراً له لدى الكرملين سوى رغبة أميركية في شراء الوقت ريثما تكون فصائل المعارضة السورية من جهادية وغير جهادية قادرة على الحسم العسكري في سوريا.
لذلك أتت معركة حلب لتفرض وقائع جديدة على الواقع السوري برمته.
المصدر : النهار