حلبمقالات

غازي دحمان – نخب بوتين على جثّة كرامة إيران

تبدو مفهومةً المرارة التي تحدث بها وزير الدفاع الإيراني، حسن دهقان، عن لا مبالاة روسيا في استعراضها عملية إذلالها إيران على رؤوس الأشهاد، ذلك أن طهران كانت ترغب في حصول مثل هذا الأمر بالخفاء، وتريد من روسيا أن تحقق لها الانتصارات على الخصوم، بدلاً منها، وتبقى محتفظة بسمعتها دولة إقليمية كبرى، مقرّرة وصانعة للتغيرات. أوجعها أن يتم الإعلان عن تحوّلها إلى تابع. لكن، هل يكفي الغضب والعتب لإخفاء هوان إيران؟

كشفت التطورات في سورية، أخيراً ومنذ عام، حدود القوة الإيرانية ومقدار فعاليتها، فهي ظهرت أصغر حتى من قوة إقليمية عادية، ورّطت نفسها في صراعاتٍ بدون حساب دقيق للخسائر والأرباح الممكن تحصيلها، واستندت إلى جملة من المعطيات المضللة ذات الطابع الآني، مغلفة بحماس ملالي إيران بالنصر الإلهي المؤزر.

استخدام روسيا قاعدة همدان في جهودها الرامية إلى إخماد الثورة السورية، وعلى عكس ما روّجه إعلام حلف ايران، وحتى وإن أعلنت إيران توقيف الأمر في الوقت الراهن، هو الحدث الذي سيؤسس لسياقاتٍ جديدة في الواقع الإقليمي الذي تدّعي إيران أنها تسيطر على مساراته، وهو في الواقع سيشكّل مساراً لضبط إيران، وإخضاعها لمنطق السياسة الدولية، بمعنى إعادة تحديث لهوية الدور الإيراني، ليصار إلى إعطائه توصيفاً سياسياً محدّداً ضمن لعبة الأمم الجديدة، بوصفه طرفاً سياسياً يدور في الفلك الروسي، ومحسوباً عليه.

تلك واحدة من أهم نتائج تداعيات الهزيمة الإيرانية في سورية، والاستنزاف الكبير الحاصل في مركّب قوتها، جرّاء انتشارها غير المحسوب في المشرق العربي، وسواء اعترفت دولة الملالي بهذا الأمر، أم استمرت في خداع أتباعها وتضليلهم، فذلك لن يغير في موازين القوة والمعادلات على الأرض.

استدعاء إيران الدب الروسي إلى ما كان يعتبر كرمها حتى وقت قريب، وإن كان استدعاء الضرورة، كونه أنقذ ماء وجه إيران من هزيمةٍ علنية في المنطقة، لن يكون بلا ثمن، وبالحسابات الروسية، فإن مثل هذا الاستجداء سيكون ثمنه الطبيعي الخصم من دور إيران ومساحة مصالحها ونفوذها، ذلك أنه، نظرياً، يعتبر النفوذ الإيراني بحكم الساقط، عشية اليوم الذي هرع فيه قادة إيران يطلبون النجدة من الكرملين، وبما أن روسيا ليست جمعيةً خيريةً وخاصةً، في ظل الظروف التي تعاني فيها من أوضاع استراتيجية معقَدة، فهي لن تبذل أي مجهود مجاني من دون حسابات دقيقة، وبما أن البيدر السوري لا يغطي في المساومات الدولية سوى مساحة صغيرة من حلولٍ ممكنة مع الغرب، فإن روسيا لن تترك لطرفٍ غيرها أن يحصل على نتائج مهمة، سورية لا يمكن قسمتها على طرفين. إما أن تشيل روسيا الملف السوري بكامله، وتتفاوض فيه على القرم وأسعار النفط والعقوبات الغربية، أو لن تحصل على شيء مقابل. وبمعنى آخر، لن يدفع الطرف الآخر ثمن سورية مرتين ولطرفين، حينها ستبدو الخيارات الأخرى أقل تكلفة.

كل خطوة روسية في سورية يجري حسابها بدقة في الكرملين، من حيث جدواها في الميدان وفعاليتها في المساومات الدولية، وتعمل روسيا على هندسة واقعٍ في سورية وحولها، يتفق مع تطلعاتها السياسية في بيئةٍ دوليةٍ معقّدةٍ، تحتاج إلى خوض صراعاتٍ عنيفة فيها، ولا شك أن الساحة السورية، في تقديرات صانع القرار الروسي، توفّر فرصةً مهمةً سواء على الصعيد الجيوبوليتيكي أو على اعتبار أنها الساحة الأكثر إنتاجاً للتداعيات وإمكانية استثمار تلك التداعيات في سياق إعادة التموضع الروسي في الواقع العالمي الجديد.

من الطبيعي أن تنظر روسيا إلى إيران، بعد أن عرفت مكامن ضعفها، وفكّكت شيفرة قوتها، على أنها مجرد جسر عبور لمرحلة، ومن الطبيعي أن إيران إذا أرادت أن تكون شريكاً لروسيا، فإن وضعها الحالي، بوصفها طرفاً استدعى الحماية، لا يؤهلها للشراكة، وإن حصول هذا الأمر يستدعي إعادة هيكلة لإيران، ليست الهيكلة السياسية التي يطالب بها الغرب، فتلك قد تكون أرحم بالنسبة للملالي، بل إعادة هيكلة القوة الإيرانية، بما فيه عقيدتها القتالية وإعادة هيكلة الدور الإقليمي لإيران، بما يتناسب والمصالح الروسية في المنطقة.

يغطي غبار الحرب السورية إلى حين على الواقعة الكبرى التي حصلت في الإقليم، والممثّلة بهزيمة مشروع إيران، وربما في حسابات الملالي أن الرضوخ للأجندة الروسية في المنطقة يبقى خياراً أفضل من خياراتٍ كثيرةٍ، بدأت تطل برأسها، مثل الصدام مع الغرب، نتيجة فشل الاتفاق النووي، أو انتقال الصراعات إلى الداخل الإيراني، من جرّاء الضعف الذي يجري تغطيته بغبار صواريخ بوتين المجنّحة وقاذفاته الاستراتيجية. لم يعد باستطاعة إيران إنكار حقيقة تراجع دورها لصالح روسيا، لكنها تخشى من إعلان هذه الحقيقة الآن، لكن لا وقت لدى فلاديمير بوتين لمراعاة خواطر الملالي، لديه فرصة مهمة لشرب نخب تحوّله اللاعب الأوحد في سورية، ولو على جثة كرامة إيران.

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى