حلبمقالات

علي العبد الله – سوريا:لا حل في الافق المنظور

لم يكن الاختلاف الأميركي الروسي السبب الوحيد في إفشال اجتماعات مجلس الأمن واللجنة الدولية لدعم سوريا في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد عكست المواقف والتصورات والآراء وجود تباينات كبيرة بين القوى المحلية والإقليمية والدولية ليس حول الحل السياسي فقط بل وحول الخطوات الإجرائية كذلك، إن على صعيد هذه الخطوات أو على صعيد الأولويات.

 

فالاختلاف الأميركي الروسي الذي ينطوي على أبعاد سياسية وعسكرية تشتمل على ملفات كثيرة وخطيرة من نظرة كل طرف لكيانه ولكيان خصمه(واشنطن تعتبر روسيا مجرد قوة إقليمية وتضعها في خانة الأعداء وموسكو ترى نفسها دولة عظمى وتحمّل واشنطن مسؤولية ما تواجهه من مصاعب ومشكلات داخلية وإقليمية) الى نشر الدرع الصاروخية في دول شرق أوروبا وتركيا، وكوريا الجنوبية، وتمدّد حلف الناتو نحو حدودها الغربية مرورا بالتدخل في شؤونها الداخلية عن طريق دعم المعارضة والمنظمات الحقوقية والمدنية والوقوف خلف الثورات الملّونة في شرق أوروبا وثورات الربيع العربي، وهذا يعكس طبيعة “الاتفاق” الذي يسعى اليه كل طرف حيث تبحث واشنطن عن “اتفاق” إجرائي آني لفكفكة بعض النقاط العالقة في الملف السوري كمدخل لتهدئة الأوضاع وتمهيد الارضية للادارة القادمة، بينما تسعى موسكو خلف “اتفاق” استراتيجي يقر بها كدولة عظمى ند للولايات المتحدة وشريكة لها في إدارة السياسة الدولية.

عبّر الاختلاف عن نفسه سياسيا بإعلان واشنطن عن عدم ثقتها بموسكو، وإعلان موسكو أن واشنطن تغيّر مطالبها باستمرار ما يجعل “الاتفاق” وتنفيذه معها مستحيلا، وميدانيا بقيام الطائرات الأميركية بقصف مواقع لجيش النظام في جبل الثردة المطل على مدينة ديرالزور، ورد روسيا والنظام بقصف قافلة المساعدات الإنسانية في بلدة أورم الكبرى في ريف حلب، وفي تباين تصورات كل طرف للحل النهائي في سوريا حيث تسعى واشنطن الى تكريس عملية انتقال سياسي حقيقية تلبي بعض تطلعات المعارضة والشعب السوري بينما تتمسك موسكو بالنظام مع عملية تزويق وتجميل شكلية بإشراك المعارضة في الوزارة، وقد تجلى ذلك في تصورها للحل السياسي الذي تروج له.

وقد كثف الخلاف بينهما في الملف السوري بتوصيف الطرفين لنتائج محادثات كيري لافروف في جنيف حيث وصفتها واشنطن بـ “ترتيبات العمل المشترك” بينما وصفتها موسكو بـ “الاتفاق”. وجاء التصعيد العسكري الأخير والقصف الروسي الوحشي لمدينة حلب للضغط على واشنطن للقبول بالتصور الروسي وإنفاذ “الاتفاق”، عبر وضعها في موقف حرج أخلاقيا ومع حلفائها السوريين والعرب، والتأكيد على اولوية  ما تسميه مكافحة الارهاب حيث اعلن مندوب روسيا الدائم في الامم المتحدة استحالة تحقيق السلام قبل القضاء على الارهابيين، والارهابيون في عرف موسكو هم كل من حمل السلاح ضد النظام، وقد تجلى ذلك باصرارها على توسيع قائمة الامم المتحدة للارهاب بحيث تشمل الفصائل المسلحة المعارضة الكبيرة(احرار الشام وجيش الاسلام) ما يجعل سحق البقية مسألة في المتناول، مع تجاهل دور الميليشيات الشيعية التي زجتها ايران في الصراع الى جانب النظام( قال وزير خارجية ايران “ان جلب الميليشيات حق سيادي للدولة”).

في حين جاءت وثيقة المعارضة السورية، عرضتها الهيئة العليا للمفاوضات في اجتماعي لندن 7 الجاري وفي نيويورك 20 الجاري، ورؤيتها للمرحلة الانتقالية، التي تبناها بيان جنيف1 والقراران الدوليان 2218 و 2254، على الضد من توجهات موسكو، كما لم تحظ برضا واشنطن، قال كيري “إنها تفسد فرص “الاتفاق” مع الروس”، على خلفية تمسكها برحيل رأس النظام(اعتبر لافروف المطالبة بتنحي رأس النظام مخالفا للقانون الدولي) والدائرة المحيطة به، بينما نالت موافقة وتأييد دول أوروبية(فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، ايطاليا) وعربية(السعودية، قطر، الإمارات، الأردن) بالإضافة الى تركيا. فرؤيتها “تظهر للعالم استحالة الحل في سورية بوجود الأسد وأركان حكمه، لا في السلطة فحسب بل في سورية.

وبالتالي لا بدّ لأي تفاهم أو اتفاق أو انتقال سياسي، أن يتضمن رحيل الأسد وأركان حكمه، الذين ارتكبوا الجرائم بحقّ الشعب السوري، وذلك في بداية المرحلة الانتقالية”، وفق قول عضو في “الائتلاف” المعارض. وجاء الإشكال الثاني من الرؤية التي طرحها المبعوث الدولي الى سوريا السيد ستيفان دي ميستورا في إحاطته أمام مجلس الأمن يوم 21 الجاري حيث رأى أن حل المسألة السورية يتمثّل “بتفويض رأس النظام بعض سلطاته لحكومة انتقالية بشكلٍ يتم الاتفاق عليه بالتفاوض بين المعارضة والنظام، على نحو تكفله ضمانات دولية وإقليمية ومحلية، وأنه سيكون هناك وقف لإطلاق النار، ودخول مساعدات وإغاثة إنسانية، ويسود جو يسمح بالنشاط السياسي السلمي الذي يفضي إلى اعتماد دستورٍ جديد، وتنظيم انتخابات حرّة نزيهة في ظلّ وجود مراقبة دولية”، عموميات غير محددة او مقننة او مجدولة، هذا بالاضافة الى ما جاء في تصوره للمرحلة الانتقالية، وخاصة ما يتعلق بتشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة حيث قدم تصورا استبدل فيه مصطلح تفويض السلطات بمصطلح نقل السلطات، ما أثار الشكوك حول طبيعة المرحلة الانتقالية وهل تعني نقل السلطات ام تفويض بعضها مع بقاء البنية الرئيسة للنظام كما هي وتحت سيطرة السلطة القائمة، كما ربط العملية بالتوافق، أي برضا النظام والمعارضة، ما يعني اعطاء النظام حق الاعتراض وافشال عملية الانتقال السياسي.

رؤية متطابقة مع موقف النظام وحلفائه وعلى الضد من تصورات المعارضة التي بينتها وثيقتها للمرحلة الانتقالية، ناهيك عن تعارضها مع محتوى القرارات الدولية ذات الصلة وخاصة بيان جنيف1 والقرار 2254. في الاثناء قال نائب وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكين، في مقابلة على التلفزيون الأمريكي العام، بوجود ثلاثة خيارات يمكن بواسطتها إنهاء الحرب الأهلية في سوريا: الخيار الأول أن يستنفد أحد الفريقين المتصارعين قواه وينهار، ولكن المشكلة أنه كلما يحدث ذلك تتدخل روسيا وإيران لإنقاذ النظام، وعندما تنهك المعارضة السورية تتدخل القوى الإقليمية وغيرها لدعمها. الخيار الثاني هو استمرار الصراع لـ10 سنوات والوصول إلى نهاية حتمية، ونحن الآن في العام السادس.

 والخيار الثالث حدوث تدخل عسكري أو تدخل سياسي فعال، وهنا فإن الولايات المتحدة لن تتدخل عسكريا في سوريا وتحاول جهدها تحقيق حل سـياسي. تشير اللوحة المعروضة اعلاه الى استحالة الحل السياسي في ضوء عمق الاختلاف الأميركي الروسي وتباين موقف كل منهما مع مواقف دول إقليمية منخرطة في الصراع، وسعيهما لحله بدلالة مصالحهما، ما يفتح على صراع ممتد على خلفية تجاهل بقية المصالح، ناهيك عن ابتعادهما عن معالجة جوهر الصراع: ثورة شعبية ضد نظام استبدادي.

المصدر : المدن 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى