حلبمقالات

حامد الحمود – وحشية النظام السوري لن تنصره

هناك ربع مليون مواطن سوري محاصر في حلب الشرقية، من بينهم مئة ألف طفل، هؤلاء كان قد تخلى عنهم النظام السوري منذ سنوات، لكنه الآن ينتقم منهم بقصف عشوائي لا يميز بين عسكريين ومدنيين. امتد القصف إلى المستشفيات، وأصبحت الطائرات الروسية وطائرات النظام تطارد تنظيمات الدفاع المدني الذي يطلق عليهم أصحاب الخوذات البيضاء، هؤلاء الأبطال الذين تمكنوا على مدى الأشهر الأخيرة من إنقاذ آلاف المدنيين، خاصة من الأطفال من بين الركام. لقد وصلت سمعتهم الطيبة وشجاعتهم وتضحياتهم إلى جميع أنحاء العالم، وهم الآن مرشحون لنيل جائزة نوبل للسلام والتي ستعلن خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

ولابد من التساؤل: لماذا تعامل النظام مع أهالي حلب الشرقية بهذه الطريقة؟ لماذا هذه الوحشية بالقصف؟ وهل كان لديه وسائل ليبني جسورا مع الأهالي على الأقل؟ الغالبية العظمى منهم غير مقاتلين. وكما ذكرنا فمن بينهم مئة ألف طفل. هل هؤلاء متطرفون؟ هل ينتمون إلى فتح الشام أو تنظيم آخر متطرف؟

التقارير المرسلة من حلب تشير إلى أن وحشية النظام وروسيا قطعت أي فرص للتفاوض، وأن قسوة النظام وحدت المقاتلين في حلب، وجمعت بين المعتدلين وآخرين ينتمون إلى فتح الشام. وأن النظام أصبح يائسا من بناء جسور مع الغالبية العظمى من الطائفة السنية. ويذكر ماكس فيشر في النيويورك تايمز بتاريخ 30 سبتمبر أن الدور القيادي الذي أخذته روسيا مؤخرا في العمليات العسكرية هو لتأمين نفوذها في مستقبل سوريا، مدركة أن نفوذا لروسيا لا يمكن أن يكون إلا بقيادة علوية لسوريا، الأمر الآخر الذي تكشف عنه حدة القصف، هو ضعف ما تبقى من الجيش السوري الذي أصبح معتمدا على الطيران الروسي في كل تقدم يكسبه على الأرض. ويرى الخبراء أنه لو استسلمت جميع القوى المعارضة للنظام فإن ما تبقى من الجيش السوري غير قادر على حفظ الأمن في مناطق تتعدى مناطق انتشاره الحالي.

إن معاناة السوريين جعلتهم يلجأون إلى جميع المسالك، إلى دول الجوار! وإلى البحر! إلى قاعه وضفافه، ولم ييأسوا حتى من الالتجاء إلى النظام الإيراني. ويذكر إيلي ليك من بلومبرغ في مقالة نشرتها «الشرق الأوسط» في 30 سبتمبر، أن الطبيبين السوريين الأميركيين زاهر سحلول ويحيى باشا، اللذين ولدا في حلب ويترددان عليها لنقل الأدوية، التقيا مؤخرا وللمرة الثانية مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في نيويورك، والتي حضرها لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، طالبين منه أن تراجع إيران سياستها في سوريا، فما كان من الرئيس الإيراني إلا أن أجاب بأن إيران موجودة في سوريا لمحاربة «داعش». ولا أعتقد أن الرئيس الإيراني كانت لديه القدرة على أن يعطي جوابا آخر. لا شك أنه يعرف أن «داعش» ليس في حلب الشرقية.

أما السيد حسن نصر الله الذي أعلن مؤخرا أنه لم يبقَ إلى الحسم العسكري في سوريا، فحماسه أعماه عن تمعنه بمسيرة التاريخ. فالأقلية لا يمكن أن تتحكم بالأغلبية مهما طال الزمن. وحتى الأغلبية ليس لها الحق أن تفرض قيمها وإرادتها على الأقلية. لكن الاحتمال هو دائما أكبر أن تأتي القيادة من الأغلبية. ويبدو انه لا يستطيع ان يدرك ان اخوته في الدين واللغة والتاريخ هم أقرب له من الروس والإيرانيين. فالتاريخ بالنسبة له احداث تحفز على الانتقام.

أما نحن المراقبين، فعسى أن يكون موقفنا نحو أهالي حلب وجميع الضحايا في سوريا، أكثر من صلاة ودعاء وتعاطف. وعسى أن نفرح قريبا بفوز أصحاب الخوذات البيضاء بجائزة نوبل للسلام.

المصدر : القبس 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى