حلبمقالات

علي بردى – “حلب مقبرة الأمم المتحدة؟”

“اللحظة الكئيبة” هي العبارة التي تستخدمها الأمم المتحدة لوصف ما يعانيه الآن زهاء ٢٧٥ ألفاً من سكان الأحياء الشرقية في حلب. يعتقد ديبلوماسيون رفيعون أن المنظمة الدولية تواجه وضعاً أكثر كآبة لإخفاقها في إنقاذ هذه المدينة بالذات، دعك من فشلها في ايجاد تسوية سلمية للأزمة في سوريا. مصير المنظمة الدولية نفسها صار على المحك.

لا يمكن أحداً أن يكون أوضح مما كتبته الأستاذة الزائرة لدى جامعة كولومبيا الأميركية ليتيسيا آتلاني – دوو والمندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة فرنسوا دولاتر في مقال مشترك بالغ الأهمية نشرته مجلة “اللانسيت” العلمية البريطانية العريقة بعنوان “هل حلب مقبرة الأمم المتحدة؟”. يعكس هذا التساؤل خشية عميقة ليس فقط على مستقبل سوريا، التي صارت محكاً للتوازنات الدولية الجديدة، بل على مستقبل الأمم المتحدة نفسها إذا انتهت صدقيتها تحت حطام حلب. هذا ما آل اليه مصير عصبة الأمم عندما بدأت تفقد جداوها في الأربعينات من القرن الماضي.

جددت القوات النظامية السورية هجومها الواسع على المدينة المحاصرة منذ أشهر في محاولة لتطويعها بدعم منقطع النظير من الطيران الحربي الروسي ومن الحلفاء الإيرانيين. أبادت بصورة منهجية كل دفاعاتها غير العسكرية. لم تعد فيها أي مستشفيات أو مستوصفات أو منشآت طبية. قصفت المدارس والملاجىء. قطعت المياه. إذا لم يعد أطراف الحرب الى وقف الأعمال القتالية، سوف يواجه سكان المدينة خلال الأسابيع القريبة ما يرسمه الرئيس بشار الأسد لنحو عشرة آلاف مقاتل من المعارضة المسلحة، وبينهم المئات من ارهابيي “جبهة فتح الشام” (“جبهة النصرة” سابقاً) في طريقه لاستعادة الحصن الأخير من مناطق “سوريا المفيدة”.

حصل أخيراً غير المتوقع. ينظر الرئيس الأسد الآن الى انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة باعتباره “فرصة” إضافية. صرح بأنه يجد فيه “حليفاً طبيعياً” في الحرب على كل من يقع في تصنيفاته للجماعات الإرهابية. أضافه تلقائياً الى سلة الدعم المنقطع النظير الذي يناله أصلاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومن السلطات الإيرانية. لعله يطمع الآن الى استعادة حتى آخر شبر من المساحات الأخرى من “سوريا غير المفيدة” أيضاً.

يتفق ديبلوماسيون من فرنسا وبريطانيا على أن انتخاب ترامب يجب ألا يشكل فرصة إضافية لرغبات الرئيس الأسد. يعتزمون إظهار مزيد من الدعم للأمين العام الجديد للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بما يتحلى به أصلاً من مزايا قيادية وأخلاقية، على جهود بدأها بالفعل لصون حلب، وما تعنيه للأمم المتحدة. تتقاسمان المصير ذاته.

المصدر : النهار 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى