لا يمكن الحديث عن إنتصارات نهائية في سوريا. حلب ليست كل الحرب على رغم أنها معركة دقيقة ومهمة وتشكل منعطفاً حاسماً في موازين القوى، لكن ما قد يراه النظام على الضفة الأخرى بعد السيطرة على المدينة المدمرة يختلف بالتأكيد عما يراه الروس الذين يقاتلون من الفضاء بعدما تعهدوا بإصرار وعناية قلب الأوضاع لمصلحة النظام، أما ما يراه الايرانيون الذين يقاتلون على الأرض، فلا يمكن فصله عن تصورهم للخريطة السياسية بعد الانتهاء من “داعش” في العراق.
الأجواء في كواليس الامم المتحدة تتحدث عن فرصة للعودة الى التفاوض، تبرز من تحت أنقاض حلب وتعتبر ان الاتفاق بين جون كيري وسيرغي لافروف قبل ثلاثة أشهر والذي بدأ بهدنة سرعان ما انهارت يمكن ان يتعافى من جديد، اذا أدى الإنقلاب في الميدان الحلبي الى إيجاد او فرض معادلة تستجيب لمطالب موسكو، أي وقف التدمير والزحف في مقابل إخراج “جبهة النصرة”، وهو المطلب الذي طالما اعتبره كيري تعجيزياً.
من أين تأتي ملامح هذه الفرصة التفاوضية؟
الجواب من الأمم المتحدة يأتي بناء على مؤشرات روسية يقال انها باتت قيد التداول في الكواليس التي كانت تراقب التطورات في حلب على مدار الساعة، عشية جلسة مجلس الأمن بناء على طلب الفرنسيين. وفي هذا السياق يتحدث البعض بثقة عن رغبة موسكو في استثمار تطورات الوضع عسكرياً للعودة الى جنيف بذهنية جديدة، إذ ليس في وسع المعارضة الآن الإستمرار في الحديث عن شروط تتصل بخروج الرئيس بشار الأسد وحاشيته من السلطة، ثم ليس في وسع الأسد العودة الى الحديث عن تحرير كل شبر من الأراضي السورية، فقد سبق له ان سمع الجواب الروسي عن هذا الطرح.
ولكن ما المطلوب؟
يأتيك الجواب مباشراً، موسكو تريد إستثمار تدخلها في الفرصة الذهبية، أي دفع الجميع الى المربع الأول الذي حددته في جنيف تسوية سياسية عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية بالمشاركة بين النظام والمعارضة ثم الذهاب الى انتخابات بإشراف دولي بعد ١٨ شهراً، والفرصة الذهبية تسقط اذا دخلت حلب في الوجدان السني في المنطقة والإقليم وكأنها غروزني جديدة دمرتها القذائف الروسية.
يعرف فلاديمير بوتين ان انتصار النظام وحلفائه في حلب لن يحسم فصول الحرب، يمكن حروب العصابات ان تستمر عقداً من الزمن وأكثر، خصوصاً ان المعارضة ليست ميتّمة وستجد دائماً في الإقليم من يحركها، على الأقل في محاولة لوقف الإختراق الإيراني الشيعي المتنامي. يعرف بوتين ايضاً انه يستطيع ان يفرض سلفاً جدول أعماله السوري على دونالد ترامب، ولعل أهم ما يعرفه انه بجلب الأسد الى جنيف واستيلاد تسوية من ركام حلب يكلل تدخله العسكري بانتصار سياسي!
المصدر : النهار