يبدو أن روسيا من غير الوارد في قناعاتها الاستراتيجية التراجع عن سوريا وخصوصا حلب، فهي باعتقادها المعبر الوحيد إلى يالطا جديدة على غرار عام 1945 الذين اتفقوا على رسم خريطة جيوسياسية جديدة للعالم ما بعد النازية، كانت برلين أول مدينة تحولت إلى خط تماس الذي قسمت العالم إلى قسمين عالم شرقي يتزعمه الاتحاد السوفيتي وعالم غربي تتزعمه الولايات المتحدة.
وهي تريد أن تتحول حلب إلى برلين جديدة، مقابل اعتقاد مفكرين غربيين الذين يطرحون في المنطقة إمكانية تطبيق ما يعرف بمعاهدة صلح وستفاليا، التي وقعت بين مدينتي أوزنابروك ومونستر بشمال ألمانيا عام 1648 أنهت الحرب الدينية المعروفة باسم حرب الثلاثين سنة، ويتجاهلون أن احتلال العراق عام 2003 وتسليم العراق لإيران هي من أحيت الصراع السني الشيعي ما جعل داعش تستغل مثل تلك الظروف من اجل الحصول على حواضن تحتمي بها وفي نفس الوقت يحتمي بعض السكان السنة من بعض المليشيات الشيعية أي أن السنة يعتقدون أن داعش تدافع عنهم ضد المليشيات الشيعية لكنهم اكتشفوا أنهم هربوا من جحيم المليشيات الشيعية إلى جحيم داعش.
الخبراء يحذرون من يالطا2 أو من محاولة روسية أميركية ثانية لخلق مراكز قوى تعمل على اقتسام المنطقة، لكن البعض منهم يتفاءل بعقد مؤتمر سلام على غرار مؤتمر فيينا عام 1815 الذي كان سببا في إحلال السلام في أوربا، في أن يجتمع ترامب ببوتين وتركيا وإيران والسعودية قد يكون مثل هذا الاجتماع مجرد أحلام يقظة بسبب أن روسيا ليست مستعدة لمثل هذا الاجتماع وهي تريد تحقيق ما تصبو إليه وفرصة تاريخية مواتية لن تتكرر مستقبلا.
ولأول مرة يصدر تقرير مشترك بين الجمهوريين والديمقراطيين بقيادة البرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ينصح هذا التقرير الإدارة الأمريكية الجديدة أن تعلن قطيعة مع منهج أوباما الكثير من الوعود والقليل من الأفعال التي اعتمدت مدرسة تهويل استخدام القوة، وهم ينصحون الإدارة الجديدة باستخدام القوة والبحث عن حلول سياسية في سوريا، ويعتبر هذا التقرير استباقي، لكنه من الناحية القانونية غير ملزم للرئيس الجديد.
هناك كثير من المتابعين لا يتوقعون في 20 يناير 2017 عند تسلم ترامب الرئاسة ودخوله البيت الأبيض قرارات جذرية، ولا في الفترة الانتقالية التي لم تحدث على مر تاريخ الولايات المتحدة، قد يستمر استمرار تدفق السلاح وغض الطرف، نحن أمام حالة انتظار ليست هناك إجراءات قمعية جذرية ستتخذها الإدارة الأمريكية.
يبدو أنه اتخذ قرار لتصفية الثورة السورية خصوصا في إخراج المعارضين من المدن الكبرى كحلب وإدلب، بعدما حققت روسيا تقدما على الأرض، وتحييد المعارضة في الجنوب، خصوصا وأن روسيا حشدت أكبر حشد عسكري منذ الحرب العالمية الثانية في سوريا، وهي في عجلة من أمرها لتحقيق ما ترنو إليه قبل تسلم ترامب الرئاسة في 20 يناير 2017.
اجتماع مجلس الأمن في 30 نوفمبر 2016 الذي طلبت لعقد هذه الجلسة فرنسا حول حلب وهي تسعى لجبهة تواجه استراتيجية الحرب الشاملة، لكن كانت المداخلة الروسية وكأن المبعوث لدولة منتصرة والتي رفضت إدخال تغييرات على خطتها التي اقترحتها كل من فرنسا وبريطانيا في اقتراح ممرات آمنة لا يسيطر عليها النظام.
وبعدما حيدت روسيا تركيا، فإن روسيا منزعجة من تصريح أردوغان بأن عملية درع الفرات دخل سوريا من أجل إسقاط النظام السوري، وهي تنتظر تفسيرا من أنقرة، لكن اجتماع لافروف في جنوب تركيا في ألانيا الخميس في 1/12/2016 وأكد في مؤتمر صحفي مع وزير خارجية تركيا وقال أن موسكو ودمشق ليستا مسؤولتين عن الهجوم الذي أسفر عن مقتل أربعة جنود أتراك في شمال سوريا في 24 نوفمبر.
هناك أيضا حراك إيراني وتتدفق مليشيات شيعية من 5 دول إيرانيون ولبنانيون وعراقيون وأفغانيون وباكستانيون إلى سوريا لحماية الأسد لأن السوريين يتجنبون التجنيد ويفر كثير منهم إلى خارج البلد، وليس فقط في سوريا بل إن إيران تلوح بتأسيس قواعد بحرية في سوريا واليمن على غرار روسيا التي أصبحت صواريخها تقلق طوكيو وأوربا تريد معاهدة جديدة للأسلحة التقليدية، وبدأت تروج إيران مجددا لقاعدة همدان الإيرانية بينما موسكو تتريث خصوصا بعدما قصفت الطائرات الروسية بلدة الزهراء الشيعية، ولكن اعتبرت موسكو أن هذا القصف كان وفق إحداثيات خطأ، حيث روسيا لا تريد أن تتقاسم إيران معها المكاسب أو حتى لا تغضب الحليف السعودي المتضجر من تمدد النفوذ الإيراني تحت حماية الطائرات الروسية.
لكن هل ستكون هناك مواجهة متجددة بين تركيا وروسيا في سوريا؟ خصوصا بعد تصريح أردوغان بقوله لم ندخل سوريا طمعا في أراضيها، بل لإنهاء حكم الأسد، كما أن هناك تصريح لنائب رئيس الوزراء نعمان كورتولموش حينما قال نتطلع إلى فتح صفحة جديدة مع واشنطن في عهد ترامب، وقال أخشى من سايكس بيكو طائفية، لكن طوقت زيارة وزير خارجية روسيا إلى تركيا هذه الأزمة، ما تخشاه روسيا أن تركيا بدأت تعول على الإدارة الأمريكية الجديدة، فالأزمة السورية ما تزال داخل نفق مظلم؟
وطن اف ام