يمكنني من الآن أن أقول مبروك لكَ الفوز، أيّها العالم الرديء جدّاً. فبعد قليل، سيتوقّف عمل الأوركسترا الكونية في حلب، ويستتبّ الزمان لصاحب الزمان، وينتهي كلّ شيء.
لا لزوم للقلق بعد الآن حول مصير حلب. اطمئِنّ كثيراً وعميقاً، أيّها العالم الرديء جدّاً. ثمّ هدِّئْ روعكَ. وروِّق بالكَ. فليس عليك سوى أن تمسِّد ضميركَ بأيدي الدم المشطوفة، وأن تغنِّي له لينام قريراً. إن غداً لناظره قريب، أيّها العالم. ففي غد، سيطيب لكَ العيش. وستقيم الاحتفال. وستنادي على القتلة، ملوك الأرض وأسيادها، ليجلسوا حول المائدة. وستكون الوليمة لأهل الولائم الفائزين. وليعلم الجميع أن إلهكَ هو الفائز، وأن صناعة الموت والعدم هي الدين الأسمى والأعظم.
وليُعلَن في الأرض كلّها أن يد الجزّار السوري ويد حلفائه في الأرض أقوى من كلّ يد. وأعلى.
كاسك، أيّها العالم الرديء جدّاً. اشربْ مليّاً، وبرويّة، واملأ كأسكَ ثانيةً، وثالثة. وإذا بقيتْ في قعر هذه الكأس ثمالةٌ قليلة، فاسكبها على الضريح الحلبيّ العظيم. حيث لم يبقَ حجرٌ على حجر. ولا حضارةٌ فوق حضارة. ولا إرثٌ بعد إرث، ولا كتابةٌ تحت كتابة. وحيث لم يبقَ هواءٌ، ولا ظلٌّ، ولا شمسٌ حيية.
طوبى لكَ أيّها العالم الرديء جدّاً. وهنيئاً. لقد فشّلتَ عمل الروح في حلب. فابسطْ روحكَ القبيحة على سطح الغمر، وعلى المسكونة كلّها!
أيّها الساسة، في إيران، وتركيا، والسعودية، وروسيا، والصين، وأميركا، وأوروبا، وفي الأصقاع كلّها؛ لا تبحثوا غداً عن لوعة القمر، ولا عن ألم النجوم. لا تبحثوا عن الأطفال، ولا عن شهداء البحر، ولا عن التائهين في سراب البرّ وبيادي السماء، ولا عن الكتب، ولا عن الأمهات والصبايا، ولا عن العشّاق الفتيان، ولا عن أشجار الياسمين، ولا عن العبقريات، ولا عن الأسواق، ولا عن البساتين، ولا عن الشعراء، ولا أيضاً عن الحبّ.
أنتم يا حثالة هذا العالم الرديء جدّاً، يا حثالة السياسة، وحثالة المصالح، والمطامع، أنتم مرتكِبو المقتلة في حلب. وهي لمقتلةٌ فريدةٌ من نوعها في التاريخ الحديث.
سأسمّي هذه المقتلة غير المسبوقة: وجع الله على الأرض. لكنّي سأسمّيها أيضاً ليلةً للإسراء والمعراج، إنما على طريقة الشعراء، وبأساليبهم.
هذه دعوةٌ للشعراء لكي يسرجوا كلماتهم، من أجل حلب. أيّها الشعراء، أكتبوا خجلكم المدوّي من هذا العالم الرديء جدّاً. واكتبوا اللعنة عليه. وأكتبوا أن الأحرار والموتى لن يأكلوا فتات هذه الوليمة القميئة. واكتبوا، إلى أن تقوم القيامة على المنتصرين و”القياميين”!
المصدر : النهار